Author

السماح بالتداول اليومي في سوق الأسهم السعودية

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
في رأيي أن سوق الأسهم السعودية وصلت إلى مرحلة متقدمة تجعل من الممكن إصدار ما يلزم من تشريعات لإتاحة التداول اليومي للأسهم، أسوة ببعض الأسواق المالية العالمية المتقدمة.
ما المقصود بالتداول اليومي للأسهم؟ وما المخاطر والفرص والتحديات؟
تأتي سوق الأسهم السعودية اليوم في المرتبة الـ11 عالميا من حيث القيمة السوقية التي تزيد على عشرة تريليونات ريال، وبعدد 214 شركة مدرجة وعددا كبيرا من الصناديق الاستثمارية المغلقة والمفتوحة، إلى جانب وسائل مالية متقدمة مثل صناديق المؤشرات وعقود مؤشرات الأسهم والعقود المستقبلية والبيع على المكشوف، بل حتى سوق جديدة لتداول ما يعرف بالائتمان الكربوني. وقد ذكر ولي العهد في تصريح سابق أنه يتطلع إلى أن تحتل سوق الأسهم السعودية المرتبة الثالثة عالميا، منوها بإمكانية إدراج أسهم شركات حكومية كبرى، وعلى أن يتم تباعا طرح جميع الشركات المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة في سوق الأسهم.
قبل شرح طريقة عمل التداول اليومي يجب التنويه بأن هذا الأسلوب من تداول الأسهم يعد عالي المخاطرة ولا يناسب معظم المتداولين، لكن هناك مضاربين لديهم الرغبة والمقدرة على مزاولة التداول اليومي غير أنهم لا يجدونه في السوق السعودية. ويقصد بالتداول اليومي السماح للمتداول بتجاوز رأسماله عدة أضعاف خلال اليوم الواحد دون أي رسوم ودون الحصول على أي قروض في سبيل تحقيق ذلك، على شرط أن يقوم الشخص بإعادة ما حصل عليه من مال إضافي قبل نهاية الجلسة اليومية للتداول.
لدى الأسواق الأمريكية باع طويل في التداول اليومي، والطريقة الممارسة حاليا تسمح للشخص بالحصول على أربعة أضعاف قيمة المحفظة للقيام بعمليات تداول يومي من بيع وشراء عدة أنواع من الأوراق المالية، بحسب ضوابط معينة لن نتوسع كثيرا في شرحها هنا. أحد الشروط ضرورة وجود أكثر من 25 ألف دولار كقيمة صافية في الحساب، أو أن يقتصر السماح للعميل على إجراء ثلاث عمليات تداول يومي خلال الأسبوع الواحد. بمعنى أن من قيمة حسابه أقل من 25 ألف دولار يمكنه الحصول على أربعة أضعاف قيمة حسابه، لكن لا يسمح له بالبيع والشراء بهذا المبلغ لأكثر من ثلاث مرات في الأسبوع. أما من يتداول بأكثر من 25 ألف دولار فيستطيع البيع والشراء عدة مرات خلال اليوم الواحد دون أي معوقات نظامية، طالما بقي صافي قيمة الحساب أعلى من 25 ألف دولار.
لتبسيط الفكرة، لو أن شخصا لديه في حسابه 100 ألف دولار، فإنه يستطيع الحصول على 300 ألف دولار إضافية للبيع والشراء بهدف تحقيق فروق بسيطة في الأسعار خلال اليوم الواحد. وليس شرطا أن تكون الـ100 ألف دولار "كاش"، بل ممكن أن تكون أسهما وأوراقا مالية أخرى مؤهلة.
ورغم مخاطر التداول اليومي إلا أن الإقبال عليه لا يزال كبيرا والسبب الرئيس لذلك توافر الوسائل التقنية من برامج وأسعار لحظية، إضافة إلى كون نسبة العمولة أصبحت صفرا في الأعوام القليلة الماضية.
كيف يمكن للوسيط توفير مبالغ بهذا الحجم دون قرض ولا رسوم على المتداول؟
طريقة التداول اليومي تعتمد على فكرة استعادة المال المستخدم قبل نهاية اليوم، وبالتالي لا توجد هناك تسوية مالية ولا مقاصة ولا تسجيل أسهم، لكن يشترط أن يكون لدى العميل حساب على الهامش وليس حسابا نقديا. السبب في ذلك يعود إلى ضرورة إقراض العميل في حال تجاوز العميل الحد اليومي له، أو لم يقم بإعادة المال قبل نهاية جلسة اليوم.
ما الفائدة من قيام الوسيط بإتاحة التداول اليومي طالما أنه لا يستقطع عمولة من البيع والشراء ولا يحقق فائدة مالية من الأموال التي يمنحها للعميل؟
التداول اليومي كان متاحا ونشطا لأعوام طويلة في أمريكا حتى بوجود عمولة على البيع والشراء، لذا فالتداول اليومي يتأثر بالعمولة، لكن يبقى هناك تداول يومي نشط حتى بوجود العمولة، ما يعني أنه يمكن تطبيق أسلوب التداول اليومي بنجاح في المملكة دون ضرورة جعل العمولة صفر ريال. الوسطاء في أمريكا يحققون أرباحهم من طرق كثيرة غير العمولة المباشرة، ويشمل ذلك الإقراض بالهامش وتوجيه أوامر البيع والشراء إلى شركات محددة من صناع السوق، وهكذا. عليك أن تتخيل حجم الأموال الراكدة لدى واحد من أكبر الوسطاء في أمريكا الذي لديه 12 مليون عميل! هناك كمية شبه ثابتة من الأموال متاحة للوسيط للإقراض، إلى جانب أن الوسيط نفسه يستطيع الاقتراض بنسب متدنية وإقراضها للعملاء بنسب عالية، تصل هذه الأيام إلى نحو 10 في المائة كفائدة سنوية. كذلك المخاطرة على الوسيط شبه معدومة لوجود ضوابط معينة لا تسمح بتداول بعض الوسائل عالية المخاطرة، كالعملات المشفرة والأسهم الضعيفة، وذلك من أجل ضمان أن يكون لدى الوسيط طريقة لاستعادة كامل المبلغ المتاح للعميل إن اضطر إلى ذلك.
هناك عدة أهداف من إتاحة التداول اليومي في السوق السعودية، أولها أن إحدى سمات أسواق الأسهم المتقدمة أن لديها جميع الآليات والطرق التي يحتاج إليها المتداولون بشتى أطيافهم وسلوكياتهم، والتداول اليومي يعد أحد طرق المضاربة التي يميل إليها بعض المتداولين. كذلك التداول اليومي يرفع من حركة التداول ويعزز من قوة السوق وارتفاع سيولتها اليومية. كمثال على ضعف السيولة في السوق السعودية رغم أهمية السوق ومكانتها العالمية أن حجم التداول اليومي في المتوسط يصل إلى خمسة مليارات ريال يوميا، بينما لو أخذنا فقط سهم شركة تسلا كمثال فإن تداوله اليومي يصل إلى أكثر من 50 مليار ريال.
السوق المالية السعودية أصبحت متقدمة وجاهزة لتشريع التداول اليومي لدعم شرائح معينة من المتداولين، وذلك من خلال مضاعفة الرافعة المالية لمحفظة العميل الراغب في ذلك دون أي تكلفة على العميل، ومن ثم سيكتشف الوسطاء في المملكة أن بإمكانهم خفض مستوى عمولة التداول بشكل كبير بسبب تضاعف عدد عمليات التداول اليومي. وأخيرا هناك نقطة قد نعود إليها لاحقا، وهي ضرورة تقليص الفارق بين أسعار العرض والطلب من خلال خفض وحدة تغير السعر إلى هللة واحدة بدلا من فئات الأسعار الحالية.
إنشرها