Author

ورحلت أختي

|
بعض الرسائل الإنسانية التي تصلني على بريدي الإلكتروني ويطلب مني أصحابها نشرها، أشعر أنها تقتطع قطعة من قلبي بعد قراءتها وتترك خلفها مساحة شاسعة من الصمت العميق، ربما أظل قابعة لفترة طويلة فيه، أتساءل ماذا لو كان حدث العكس؟! تقول صاحبة الرسالة، "منذ وعينا على الدنيا ونحن نستمتع بقصة الأخوة الصافية بين أمي وخالتي التي لم تتمكن ظروف الحياة والأسرة والزمن من التأثير فيها. كانت خالتي أكبر من أمي بخمسة أعوام أحبت كل واحدة منهما الأخرى لدرجة لا تصدق، بحيث كانا يقتسمان معا كل شيء جميلا في الحياة، فكانت أمي لا تشتري بخورا إلا وتشتري لخالتي، ولا تشتري خالتي ملابس إلا وتشتري لأمي وهكذا في كل كماليات الحياة، ولا تذهب إحداهما إلى السوق لتشتري لمنزلها أو لأطفالها إلا وتتصل بالأخرى لتذهب معها، ولا تصاب واحدة منهما بمرض أو علة إلا وتكون الأخرى بجانبها تطبطب عليها وترعاها حتى تتماثل للشفاء، حتى بعد أن كبرنا نحن أبناء وبنات الخالات ورغم حدوث مناوشات بيننا ومشكلات إلا أنها تتحطم على أسوار أخوتهما المتينة. في الأعياد والمناسبات العائلية والأفراح لا تدخل أمي مع الباب إلا وخالتي بجانبها، كأنهما توأمان نفخت في جسديهما روح واحدة. مضت بهما الأعوام وأصبحتا مضرب المثل للأخوة الحقيقية التي لا تهزها أعاصير الزمن والبشر وتقلباتهما. قبل عام أصيبت خالتي بمرض عضال لم يمهلها طويلا فانتقلت إلى رحمة الله صابرة شاكرة. الجميع لم يحمل هم حزن أبنائها بقدر ما حملوا هم هذه الأخت التي رحل نصفها. قد تتساءلين كم عمر أمي الآن وستدهشين حين أخبرك أنها في الـ75 من عمرها، وخالتي -رحمها الله- عمرها 80 عاما لو كانت ما زالت على قيد الحياة، ورغم سنهما المتقدم، لكنهما كانتا تتمتعان بالصحة والقيام على شؤونهما حتى العكاز لم تحتاجا إليه أبدا، لكن والدتي اليوم تستخدمه بعد أن عبث الحزن بجسدها. الإشكالية التي تثير مخاوفنا اليوم أن والدتي دخلت في حالة اكتئاب لم تنفع معها الأدوية والمهدئات، فهي تقوم وتنام على ذكرى خالتي والحنين إليها والشوق لرؤيتها، بين الحين والآخر نذهب بها إلى مكة لتغسل روحها من الحزن الذي يعتريها لفراق أختها. أنا أصغر بناتها وأتساءل بقلق هل قد يقتل الحزن أمي؟"
وخزة:
"وأنا هنا أتساءل بقلق ماذا لو أن أحد الإخوة المتقاطعين رحل عن الدنيا وفي قلبه غصة عتاب، وفي روحه شوق لطبطبة أخيه، وفي نفسه حنين "للمة" أخوية دافئة كان يفتقدها، فهل الأخ الذي ما زال على قيد الحياة سيقتله الحزن ندما؟"

اخر مقالات الكاتب

إنشرها