Author

تسطيح المشكلات عادة سيئة

|

كمبدأ، هناك معالجتان مثاليتان لأي تحد، المواجهة أو الهرب، أو إن شئت: قل المواجهة أو التفادي. نظريا، تكون المواجهة للمعالجة والتحسين والإصلاح، للحل، لتفادي أنصاف الحلول، لأنهاء أثر التحدي، أو التخفيف منه بشكل كبير، لحل المشكلة، لقلع الأسباب من جذورها، لتعطيل الأسباب بشكل واضح لأعوام مقبلة. ونظريا، يحدث الهرب أو التفادي أو حتى القبول والتعايش في الحالات التي يصعب تغييرها، هي جزء من نظرية الواقعية ومدرسة القناعة. وكلا المعالجتين يعد خيارا ذكيا ومنطقيا إن توافق مع الممكن والمعقول وحدث التوازن المطلوب. هناك أيضا معالجات أخرى تقع في المنتصف، لا تدخل من باب المواجهة وليست من فنون القبول والتفادي أو حتى الهرب. من ذلك، المواجهة بطرق ملتوية أو مؤقتة، أي ما يدخل فيه خداع الغير أو الذات. ومن ذلك أيضا المواجهة بنية الهرب، ومن ذلك التسويف بنية المواجهة اللاحقة، ومن ذلك التسطيح، تسطيح المشكلات العميقة والتحديات المتراكمة.
يحدث تسطيح المشكلات في الظروف التالية: هناك ظروف صعبة تشكل تحديا معتبرا، يظهر قائد الحل أو أحد المؤثرين أو المشاركين أن المشكلة أبسط مما تظهر عليه، وبناء عليه تختصر قائمة الحلول. يبالغ هؤلاء في تقنين المعالجات إلى الدرجة التي تصبح المعالجة هامشية جدا، غير مؤثرة، فيحدث انطباع بأن التحدي تمت مواجهته، والمشكلة انتهت. الأمثلة كثيرة، في البيت والشارع والعمل، طفل يعاني صعوبات مبكرة في التعلم، يتطلب الوضع تقييما ومتابعة وربما تقوية في بعض النواحي والمهارات حتى يتجاوز تلك المرحلة ويسيطر عليها. يأتي الرد المختصر من أحد الوالدين: "لسه صغير، إذا كبر واستمرت المشكلة سنتعامل معها في وقتها". طبعا، قد يقول المختص المعالج عبارة مشابهة، مثلا: "أرجو المتابعة بعد عام وإعادة التقييم". لكن عندما تخرج من المختص فهي رأي مهني، وعندما تأتي دون تقييم فهي مجرد تسطيح للمشكلة.
من الأمثلة الأخرى، مدير العمليات الذي يقول لمدير المبيعات: "أتفق معك على أهمية جودة الخدمات التي يشعر بها العملاء، وهي ذات أهمية، وسننظر في الإجراءات الداخلية ذات العلاقة، لكن المهم، كيف تعتقد أن توقعات العميل سترتفع إذا تحسن التواصل واقتربنا منه أكثر؟ للعلم، تطوير الإجراءات التشغيلية التي تجعل البضاعة تصل إليه في الوقت المناسب تحصيل حاصل، بعد ستة أشهر سنقوم بتركيب النظام وهناك عدد من الموظفين الجدد الذين سيشاركون معنا خلال العام المقبل". هنا حصل أكثر من أمر، أولا يقوم مدير العمليات بتشتيت الطرف الآخر، ثم يسطح المشكلة بدلا من أن يتعمق فيها، يعترف بها لكنه لا يخترقها، لا يحللها. ثانيا، يتفادى العمل المشترك والمباشر، وبالطبع يجعل الحل مجرد نتيجة طبيعية للخطوات التي ستحدث قريبا، دون ربط بين العمل والنتائج، دون فتح الباب للمتابعة، دون إيجاد وسيلة للقياس. هذا مجرد تسطيح للمشكلة، يظهر بمظهر المعالجة، لكنه يقوم على مبدأ الهرب.
هناك من يظن أنه يملك الحجة ويرد على مديره عند وقوع خطأ بشري جسيم، ويبدأ في استخدام نظرية التسطيح بشكل ذكي، فهو يثبت الواقعة، لكنه يراها واقعة فردية لا تمثل الكل، يقول لمديره إن التعميم خطأ. يوضح أن المشكلة ليست متعلقة بالنظام أو الإجراء أو الأسلوب الإداري، وإنما المشاعر هي السبب، فلان من الناس كان "عنده ظرف"، أو فلان لا يتواءم مع فلان أو غير متحمس أو لا يملك الحافز ومن هذا القبيل. هذا قد لا يخلو من الصحة، لكنه لا ينظر للمسألة بشكلها الكامل، فلا يأخذ الجانبين النفسي والسلوكي ويجمع معهما الجانب العلمي. لا ينظر للبيانات ويحللها ولا يقدر حجم المشكلة ومسبباتها المحتملة ثم يقيم كل مسبب. التعامل الجيد لحل المشكلات هو تعامل موضوعي يصل إلى عدد من المسببات ثم يؤكدها ويفتح الباب للمعالجة السليمة. التمحور حول أحد الجوانب على حساب آخر شكل من أشكال التسطيح وسبب للابتعاد عن الحل. هناك من يحترف مثل هذا التباعد المشتت ويجيد تسطيح المشكلات لأسباب مختلفة، قد تكون مجرد تفاد للمحاسبة أو لؤم وتشتيت للانتباه أو مجرد ضعف في أسلوب معالجة المشكلات. تتحول هذه السلوكيات إلى عادات، وهي في نظري عادات سيئة جدا يجب التخلص منها على المستويين الفردي والمؤسسي.

إنشرها