سلاسل الإمداد .. السعودية تبادر
تكمن أهمية مبادرة سلاسل الإمداد العالمية التي تقودها السعودية في أنها تأتي في الوقت المناسب للاقتصاد العالمي، وفي كونها مبادرة مبنية على واقع جغرافي مهم، وفي قدرتها على تعظيم الموارد الاستثمارية للبلاد ودعم الخطط التنموية المستهدفة في رؤية السعودية 2030.
الخطط التي يرسمها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، تهدف إلى تنويع مصادر الدخل للمملكة وتخفيف الاعتماد على النفط في الميزانيات السنوية للمملكة، ويتأتى ذلك من خلال التفكير خارج الصندوق - كما يقال - وهذا ما نلحظه في جملة من المبادرات والبرامج والمشاريع منذ إطلاق برامج الرؤية، التي في مجملها تصب في جعل المملكة بيئة استثمارية جاذبة للمستثمرين المحليين والخارجيين.
من أهم المعوقات التي واجهت الاقتصادات العالمية في الأعوام القليلة الماضية، التي تعاظمت وطفحت إلى السطح نتيجة أزمة فيروس كورونا منذ بداية 2020، تلك المعوقات المتعلقة بسلاسل الإمداد حول العالم، التي بدت فيها سلاسل الإمداد في أحيان كثيرة شبه معطلة، وتفاقمت أزمتها بوجود ضعف كبير في الأنظمة اللوجستية في كثير من الدول.
يمكننا التفريق بين سلاسل الإمداد والأنظمة اللوجستية في أن سلاسل الإمداد معنية أكثر بعملية نقل السلع، بينما الأنظمة اللوجستية معنية أكثر بالإدارة والمناولة والتخزين، وبحسب مجلس خبراء سلاسل الإمداد، وهي جهة معنية بدعم وتدريب خبراء سلاسل الإمداد في الولايات المتحدة، فإن المجال اللوجستي يعد جزءا من منظومة سلسلة الإمداد المعنية بالتخطيط والتنفيذ والمتابعة لنقل السلع والخدمات وكذلك المعلومات من مصادرها إلى المستهلك النهائي.
أما على صعيد الخدمات اللوجستية، المكملة لسلاسل الإمداد، فهناك اهتمام كبير في هذا المجال، حيث تم إطلاق الأكاديمية السعودية اللوجستية كأول أكاديمية متخصصة في هذا المجال، وتم إطلاق برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية في 2019، وهو أحد أهم برامج الرؤية الذي يهدف إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية من خلال التركيز على قطاعي التعدين والطاقة ودعم المحتوى المحلي والتوسع في مجال الثورة الصناعية الرابعة. كما تم العام الماضي إطلاق الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية بهدف جعل المملكة ضمن قائمة الدول العشر الأولى على مستوى العالم.
المعلوم أن المجال الصناعي يقع في قلب برامج رؤية السعودية 2030، وهناك اهتمام بمجال الثورة الصناعية الرابعة، وهو ما يتضح في عدة نشاطات وبرامج حول المملكة، منها تأسيس مركز مختص بهذه الثورة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، تم تأسيسه باتفاق بين حكومة المملكة والمنتدى الاقتصادي العالمي. كما أن شركة أرامكو السعودية قامت بإنشاء مركز خاص بها للثورة الصناعية الرابعة من أجل تطوير التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والبيانات الضخمة، إلى جانب أن منطقة "نيوم" في شمال غرب المملكة تم اختيارها كساحة عالمية لتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة في مختلف مناحي الحياة.
اليوم تتنافس الدول في مقدرتها على التصنيع والإنتاج والتجارة وجذب رؤوس الأموال الأجنبية لرفع الناتج الاقتصادي للدولة، والمساهمة في تنمية البلاد ورفاهية المواطن، ويأتي القطاع الصناعي في مقدمة اهتمامات الدول.
الاهتمام بسلاسل الإمداد وعزم المملكة الدخول في هذا المجال بقوة والقيام بذلك على المستوى العالمي يأتي مكملا لتلك الجهود التي نراها تنصب في مجال الصناعة على وجه الخصوص وفي عملية تنويع مصادر الدخل على وجه العموم، التي تم تتويجها الأسبوع الماضي بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعة، التي تستهدف الوصول إلى اقتصاد صناعي جاذب للاستثمار من أجل تنمية الناتج المحلي والصادرات غير النفطية.
بحسب البيانات الرسمية، نما القطاع غير النفطي للمملكة بنسبة 5.4 في المائة في الربع الثاني من هذا العام، فيما بلغ حجم نشاط التعدين والتحجير 410 مليارات ريال وبلغ حجم الصناعات التحويلية عدا تكرير الزيت 79 مليار ريال، مشكلا نحو 7.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. المملكة تسعى بخطى ثابتة وواثقة نحو إحداث نقلة كبيرة للاقتصاد السعودي وذلك بتوظيف مواردها المالية الحالية من أجل بناء مستقبل مشرق.