مخاطر دوامة الأجور والأسعار مع التضخم «2 من 2»

ولدراسة كيفية تأثير التوقعات في الاقتصاد، استخدمنا تحليلا قائما على نموذج، وقمنا بمعايرته ليعكس الأوضاع الاقتصادية في النصف الأول من هذا العام مع استخدام مسار سعر الفائدة الرسمي باعتباره عاملا معطى.
وبناء عليه، فحين تتوقع الأعمال والأسر بقاء التضخم في المستقبل على حاله اليوم، يمكن أن يؤدي حدوث صدمة تضخمية إلى مطالبة العمالة بأجور أعلى لتعويض التضخم الأعلى المتصور حدوثه مستقبلا. وهذا النوع من عمليات التوقع ذات النظرة الخلفية ـ التي نشير إليها باسم "التوقعات التكيفية بالكامل" ـ يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع التضخم وبقائه أعلى من المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي لفترة ممتدة حتى إذا لم تحدث صدمات سعرية إضافية.
وعلى العكس من ذلك، فحين تعكس توقعات الناس كل المعلومات الاقتصادية المتاحة ـ وهو ما يشار إليه باسم "التوقعات العقلانية"ـ، فإن الأعمال والأسر تنظر إلى صدمة الأجور والأسعار باعتبارها مؤقتة، ما يؤدي إلى نمو الأجور وعودة التضخم سريعا إلى المستوى المستهدف وبقائه ثابتا في هذه الحدود.
وفي معظم الأماكن، تكمن الحقيقة في موضع بين هذين النقيضين، حيث تنظر الأعمال والأسر إلى ما حدث في الماضي "مع إعطاء وزن أكبر لما حدث في أرباع العام الأخيرة"، لمعرفة هيكل الاقتصاد ووضع التوقعات، وهو ما يشار إليه بمصطلح "التعلم التكيفي". وفي هذه الحالة، يمكن أن يستغرق نمو الأجور والتضخم فترة أطول للعودة إلى هدف البنك المركزي مقارنة بما يستغرقه الأمر في حالة التوقعات العقلانية، لكن الوتيرة تكون أسرع مقارنة بالوضع في ظل التوقعات التكيفية بالكامل.
وفي كل هذه الحالات، يغلب على الأجور الحقيقية الانخفاض مبدئيا عندما يتجاوز التضخم نمو الأجور، ما يساعد على موازنة جانب من الصدمة المدفوعة بالتكلفة التي أشعلت التضخم ويعمل على الحيلولة دون حدوث دوامة من الزيادات المتلاحقة في الأجور والأسعار. غير أن صدمات التضخم تبدأ من سوق العمل ذاته ـ كأن يحدث ارتفاع حاد غير متوقع في تقييس الأجور ـ وهو ما يمكن أن يخفف من آثار تراجع الأجور الحقيقية، إذ يدفع كل من نمو الأجور والتضخم إلى الارتفاع لفترة أطول.
وفهم عملية التوقعات أمر ضروري بالنسبة إلى صناع السياسة النقدية. فحين تكون التوقعات أكثر اعتمادا على النظرة الخلفية، ينبغي أن يكون تشديد السياسة النقدية ـ بما في ذلك عن طريق الإفصاحات الواضحة من جانب البنك المركزي ـ أقوى وأكثر تركزا في بداية الاستجابة لصدمة التضخم.
من هذا المنطلق، تعد إجراءات التشديد التي قام بها كثير من البنوك المركزية أخيرا ـ التي تمت معايرتها لتتوافق مع ظروف كل اقتصاد ـ أمرا مشجعا. فستساعد على الحيلولة دون ترسخ التضخم المرتفع، ومنع التضخم من الانحراف بعيدا عن الهدف لفترة بالغة الطول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي