جدة تنتصر للقاهرة
نافورة جدة التي أهداها الملك فهد بن عبدالعزيز لجدة، ليست مجرد نافورة تعانق عنان السماء كأطول نافورة في العالم حسب موسوعة جينيس، إذ يبلغ طولها 312 مترا، لدرجة أن مشاهدتها تجاوزت الحدود، إذ يمكن مشاهدتها من مرتفعات إفريقيا وجبال السودان، أو معلم سياحي، يتهافت السياح لزيارة تلك الأعجوبة التي تضخ 18 طنا من المياه في كل لحظة بسرعة 233 ميلا في الساعة بتصميم على شكل مبخرة تمثل عبق التاريخ وأصالة الماضي، وكأن قطرات المياه المنبعثة منها ينبوع عطر يعطر السماء برائحة النصر، ودليل شامخ على اللحمة العربية، ودور المملكة في صنع تاريخ المنطقة وشريكة في انتصارات العرب!
فكيف لنافورة أن تكون شاهدا على انتصارات الأمة العربية؟!
بدأت قصة النافورة، عقب هزيمة 67 واحتلال إسرائيل شبه جزيرة سيناء في مصر والجولان في سورية، وقتها قرر الجيش الإسرائيلي إنشاء مانع كبير لتحصين نقاط العبور المتوقع أن ينفذ منها الجيش المصري للوصول إلى الضفة الأخرى من قناة السويس، وجهزته ليكون قادرا على تحمل أي إطلاق نار، أو قصف مكثف للجيش المصري، وأطلقت عليه اسم خط بارليف نسبة إلى القائد العسكري الإسرائيلي حاييم بارليف، ليصبح أقوى خط دفاعي عرفه التاريخ، إذ يراوح ارتفاعه ما بين 20 و22 مترا، ويضم 22 نقطة حصينة، وحول كل نقطة حقول ألغام، وخنادق، وأسلاك شائكة، وعشرات الغرف المحصنة تحت الأرض.
ووجد الجيش المصري صعوبة، بل استحالة تدمير ذلك الخط لضخامته، وتصميمه الهندسي، لكن فكرة بسيطة لضابط مصري يدعى باقي زكي يوسف، استمدها خلال عمله في إنشاء السد العالي تتمحور في هدم الخط بمضخات المياه.
اشتد الخناق على الحكومة المصرية وطلبت المساعدة من الملك فيصل وكعادته لم يتردد لحظة واحدة في مساندة مصر، واشترت السعودية سبع مضخات مياه عالية القوة بحجة أنها مضخات زراعية حتى لا تنكشف الخطط العسكرية المصرية، وبالفعل وصلت المضخات إلى جدة وبعدها سلمت إلى الجيش المصري الذي استخدمها في اختراق خط بارليف، وتم نسفه وهدمه في ست ساعات، وعبور الجنود للقناة، وبذلك تحقق الانتصار العظيم في السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 1973، الذي كان للسعودية دور كبير فيه يجهله كثيرون!
وفي 1980 استخدمت إحدى المضخات السبع التي دمرت خط بارليف في بناء نافورة جدة، لتكون شاهدا حيا على مر الزمن على دور السعودية الرائد في المنطقة وعمق العلاقات السعودية - المصرية.