Author

تطور النرجسية الرقمية

|
تقول جلوريا أورجي، في كتابها، "السمعة: ما هي؟ ولماذا هي مهمة؟"، "لن تعيش أي سمعة فترة طويلة من دون ظهور ما يؤكدها"، وجدت هذه العبارة في أرشيف قصاصاتي ومقالاتي ووجدتها من العبارات التي يمكن تطبيقها على كثير من الأشياء أو مناحي الحياة.
يريد بعض ممن يسعون إلى تجميع المريدين أو التابعين في الإعلام الاجتماعي اكتساب سمعة معينة، ويبقون في منطقة الادعاء والكذب ولا يظهر ما يؤكد السمعة، فهم مثلا يسألون عن محتاجين أو فقراء ظهروا في مقاطع مرئية في وضع بائس لا نعرف تماما حقيقته وخلفيته وصدقه، يسألون عمن يدلهم عليهم، ويتشدقون بعبارات تشي بنرجسيتهم، وللمتأمل أكثر هي تشي بخبرة طويلة في الادعاء والمباهاة التي تعرف شعبيا بمصطلح "الهياط"!
قبل أعوام كتبت أن "النرجسية الرقمية" تتمثل في هوس البعض بكثرة التقاط الصور لأنفسهم بأنفسهم "السيلفي" ثم نشرها، وهذه الظاهرة عرفت لفترة ما بأنها من المشكلات النفسية للعصر الرقمي، أو التأثيرات النفسية للإعلام الرقمي، أو تغير سلوك الإنسان، والتغيرات المتوقعة لإدمان البعض هذه الوسائل أو الظهور فيها.
اليوم، ارتفع سقف التوقعات لدى النرجسي الرقمي ليصبح مصابا بداء أكثر عمقا في الذات لينتقل من "تصوير نفسه بنفسه" إلى رغبة ملحة أن يقوم الآخرون دوما بـ"تصويره"، ليس بالضرورة بعدسة، لكن بتأطير معين يضعه في خانة معينة يعلم هو ومعظم من يساعدونه أنها ليست خانته أو مكانته.
ما يفعله هؤلاء قد يكون مرضا أو خللا نفسيا ناتجا عن شعور بالنقص يحتاجون إلى تكميله بهذه الادعاءات، وقد يكون ذكاء خبيثا في استغلال الإعلام الرقمي واستغفال المتابعين، وهنا يبرز السؤال عن هؤلاء المتابعين الذين يصدقون أو يزعمون أنهم يصدقون، هل هم أيضا يشتكون من مشكلات نفسية، أم أنهم أيضا يسعون بذكاء إلى أشياء لا تدركها الأفهام الطبيعية؟
المضحك المبكي أن أكثر هؤلاء المدعين تمت صناعته، ثم أوحي إليه أنه صنع نفسه، فنشأت نرجسيته وكبرت معتمدة على تغذية راجعة من نرجسيات صغيرة تم توليدها وتنتظر دورها في معامل التسمين والنفخ، التي تضج بها وسائل التواصل الاجتماعي.
لعل المطمئن هنا أن الواقع سيظل دائما هو الحقيقة، وسيزداد العالمون العميقون أولي النهى والأفهام الصحيحة تواضعا، وتزداد هذه النرجسيات المستحدثة كبرا وخيلاء حتى يأتي "دبوس" خفي يحمله من حمل "المنفاخ"، ليفقأ البالون المدعو ميم مثلا، وتبدأ رحلة النفخ في المدعو نون.. مثلا.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها