اقتصاد متجدد بهوية الرؤية

 يواصل الاقتصاد السعودي تسجيل أرقام قياسية في مؤشرات نموه على جميع المستويات الإقليمية والقارية والعالمية، نتيجة الخطط الاستراتيجية المتمثلة في برامج رؤية المملكة العربية السعودية 2030 المتنوعة التي آتت أكلها خلال زمن قصير، حيث أثمرت هيكلة الاقتصاد، وتعزيز مقوماته الطبيعية، وتحفيز القطاعات الإنتاجية في مختلف القطاعات، فضلا عن دخول قطاعات جديدة، وتنويع الاقتصاد، والتحول الرقمي والاقتصادي النوعي والتعدد الصناعي التقني، عن نتائج إيجابية انعكست على نمو الاقتصاد المتوقع خلال الفترة الحالية. الاقتصاد السعودي شهد خلال عصره الحديث نموا على مستوى عدد من القطاعات، مستغلا بذلك الموارد الطبيعية، وموقعها الجغرافي والحضاري بين قارات العالم الثلاث، ونتج عن هذا النمو بناء قاعدة اقتصادية متينة، حيث أصبح ضمن أكبر 20 اقتصادا عالميا، وعضوا فاعلا في مجموعة العشرين، وأحد اللاعبين الرئيسين في الاقتصاد العالمي وأسواق النفط العالمية، مدعوما بنظام مالي قوي وقطاع بنكي فاعل، وشركات حكومية عملاقة تستند إلى كوادر وطنية.
ومن هنا يتمتع الاقتصاد السعودي اليوم بأفضل أداء اقتصادي بين دول مجموعة العشرين خلال الربع الثاني من العام الجاري، بنمو قدره 12.2 في المائة على أساس سنوي، ويعد هذا النمو الأفضل خلال 11 عاما، أي منذ أن بلغ النمو 13.6 في المائة خلال الربع الثالث من 2011، لكن هناك فرقا كبيرا بين النمو القوى الذي شهده 2011، وبين هذا النمو الحالي، فالنمو الأخير أكثر استدامة من قبل، والأدلة والنتائج على ذلك كثيرة ومتنوعة، فالنمو المسجل في الربع الثاني 2022، هو خامس نمو فصلي للناتج المحلي، كما أنه أتى نتيجة لنمو قطاعين معا ففي حين نما القطاع غير النفطي 8.2 في المائة، نما الناتج المحلي للقطاع النفطي 22.9 في المائة بفضل ارتفاع إنتاج النفط، ويعد أعلى نمو تاريخي للقطاع، في ظل ارتفاع أسعار النفط متجاوزة 100 دولار للبرميل خلال الربع الثاني من العام الجاري. 
وجاء تحقيق هذه الأرقام والنتائج بسبب بذل السعودية جهودا جبارة خلال الأعوام الستة الماضية من عمر الرؤية، حيث حققت قفزات بارزة في أداء الاقتصاد غير النفطي، وحققت أيضا تنوعا مميزا في الإيرادات غير النفطية، وهو ما مكن الاقتصاد من عبور أزمة اقتصادية حادة مع انتشار فيروس كورونا في وقت لم تزل يواجه عديد من الدول صعوبات في عودة النشاط الاقتصادي إلى مستويات ما قبل الجائحة، فالسعودية اليوم تسجل ارتفاعا ملحوظا في فائض الميزان التجاري خلال النصف الأول من 2022، بأكثر من الضعفين مقارنة بالفائض في الفترة المماثلة من العام الماضي، وسط ارتفاع حجم تجارتها السلعية بأكثر من 56 في المائة متجاوزة حاجز التريليون ريال.
وسجلت الصادرات غير البترولية ارتفاعا بـ31.0 في المائة عن الربع الثاني من 2021، حيث سجلت 86.2 مليار ريال مقابل 65.8 مليار ريال، فيما ارتفعت قيمة الصادرات غير البترولية 9.7 في المائة، بمقدار 7.6 مليار ريال، مقارنة بالربع الأول من 2022، كما انخفض معدل البطالة إلى 10.1 في المائة بين السعوديين، بعدما كانت قد ارتفعت أثناء الجائحة.
كل هذا النجاح والعوامل المترابطة يجعل الفرق كبيرا بين النمو الذي شهده 2011 والنمو الحالي، فهذا النمو يأتي أيضا مع مشاريع نوعية كبرى شملت الرياض وجدة والمدينة المنورة وعديدا من مناطق المملكة، حيث شهدت العاصمة أكثر من 68 مبادرة في خمسة قطاعات، تتجاوز قيمتها 346 مليار ريال، كما تم الإعلان عن أعمال مشروع "رؤى المدينة"، وكذلك مشروع "وسط جدة" جنبا إلى جنب مع إطلاق تصاميم مدينة ذا لاين، وأوكساچون، وتروجينا وشركتي "إنوا"، التي تعنى بالابتكارات وصناعات الطاقة والمياه والهيدروجين، وشركة نيوم التقنية الرقمية. 
ومن هذا المشهد المتجدد يمكن أن نصف هوية الاقتصاد السعودي اليوم بأنه يتمتع بمزايا تمنحه استدامة ومستقبلا مشرقا يجعله يستحق بجدارة أن يكون الأفضل أداء بين دول مجموعة العشرين، ومن المتوقع أن يستمر هذا التفوق مع تسارع المشاريع وتحقيق المستهدفات. ونلاحظ أن المقارنة التي نشرتها "الاقتصادية" في تقريرها الأخير بين نمو الاقتصاد السعودي والنمو في مجموعة العشرين توضح بجلاء هذا النمو المستدام، ففي الوقت الذي تحقق المملكة خامس نمو فصلي للناتج المحلي، فإن الولايات المتحدة تواجه أسوأ أداء بعد انكماش -0.6 في المائة، وذلك نتيجة تشديد السياسة النقدية لمكافحة التضخم، فالاقتصاد الأمريكي كان أحد أسرع الاقتصادات العالمية خروجا من الأزمة الصحية ونما الطلب بشكل قوي، لكن هذا الوضع نتج عنه ارتفاع التضخم ما تطلب إجراءات تسببت في انكماش الاقتصاد.
كما يتمتع الاقتصاد السعودي بمستوى تضخم معتدل تماما بـ3 في المائة طبقا لإحصائية آب (أغسطس) الماضي، ما يدل على أن الاقتصاد السعودي يعد من الاقتصادات الأسرع خروجا من الأزمة الصحية، ولم يواجه المصير نفسه الذي واجه الاقتصاد الأمريكي، وما ذلك إلا دليل إضافي على أن الاقتصاد السعودي اليوم يتمتع بتوازن واستقرار سيسهمان في تحقيق مستهدفات الرؤية خاصة أن الميزانية العامة تحقق فائضا قياسيا. 
في جانب آخر، نلاحظ أن التقرير بين أن الهند سجلت أيضا أفضل أداء اقتصادي بين دول مجموعة العشرين خلال الربع الثاني من العام الجاري مع السعودية، بنمو 13.5 على أساس سنوي، وبذلك شكل الاقتصاد الهندي نموذجا للقوى الاقتصادية الصاعدة، فبعد أن تعرضت الهند في أواخر الثمانينيات من القرن الـ20 إلى أزمة مالية حادة، وخلل في ميزان مدفوعاتها، بدأت مرحلة من الإصلاح الاقتصادي ظهرت نتائجه الإيجابية في كثير من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وفتحت آفاقا مستقبلية واعدة. وتمثل التجربة الهندية في التنمية واحدة من أكثر التجارب التي أثارت جدلا، بشأن تمكن الهند من تحقيق طفرة في التنمية، على الرغم من ارتفاع نسبة الفقراء فيها، حيث يمثل الفقراء نحو 25 في المائة من السكان. كما تسعى الهند إلى تحقيق نمو اقتصادي، يحقق لها اقتصادا بحجم خمسة تريليونات دولار، بحلول 2024 - 2025، الأمر الذي يجعل منها الاقتصاد الثالث عالميا من حيث الحجم، وهذه القفزة الاقتصادية تحتاج إلى نمو بمعدل 8 في المائة سنويا.
وتشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن النمو الذي تحقق في السعودية يتفوق بشكل كبير على النمو الذي تحقق لمعظم دول مجموعة العشرين، فبينما تنعم المملكة بتحقيق 13 في المائة جاءت دول مثل الاقتصاد الألماني بـ1.7 في المائة، واليابان بـ1.6 في المائة، والصين 0.4 في المائة، وجنوب إفريقيا 0.2 في المائة، وهذا يضع صورة مدهشة لما حققته السعودية من نجاحات، ويقدم صورة أكثر وضوحا عن الفرق بين النمو الذي تحقق في 2011 والنمو الذي يتحقق اليوم. جاءت رؤية 2030 والحلول الاقتصادية التي تضمنتها لترسم طريقا جديدا تماما، وتحقق تحولا فريدا قلما تستطيع دولة في العالم تحقيقه.  

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي