Author

التنفيذيون أم الاقتصاديون .. الأهم؟

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

يشارك الاقتصاديون في صناعة القرارات العامة والاقتصادية وفق منهجية فكرية تعتمد على دراسة العلاقات وفق أربعة مستويات، المستوى الأول، قرارات الحكومة. المستوى الثاني، قرارات الشركات. المستوى الثالث، قرارات المستهلكين. المستوى الرابع، التجارة الخارجية. وهم مهيأون لذلك بسبب طبيعة الدراسة الأكاديمية، التي تعتمد على النظريات الاقتصادية التي تحاول تفسير سلوك المجتمع وفهم الظواهر الاقتصادية بطرق منهجية، كما أن علم الاقتصاد من علوم الاجتماع، وهذا ما يفسر قدرة الاقتصاديين على طرح آراء ومقترحات وحلول في جوانب اجتماعية واقتصادية وسياسية كنوع من تعددية التفكير الناتجة عن طبيعة دراسة الاقتصاد، أي أن الاقتصاد ليس نظريات فحسب، بل طريقة تفكير صنعها البناء المعرفي للاقتصاد، وعادة ما يكون الاقتصاديون حاضرين بفاعلية في النقاشات العامة التي تتعلق بالتسعير والتضخم والتوظيف وسوق العمل والميزانية والديون والرهن العقاري والجغرافيا الاقتصادية والاقتصاد السياسي، مثل الشراكات التجارية والاتفاقيات الاستراتيجية بين الدول وأسعار الصرف، بمعنى آخر، هم صناع العلاقات الاقتصادية في النظام الاقتصادي، وفي هذا الإطار هم بمنزلة التخطيط الاستراتيجي الذي يسبق عمليات التنفيذ، أي أن التنفيذيين يأتون لاحقا للعمل بالسياسات الاقتصادية من خلال التبعية وتقمص النموذج الاقتصادي في القطاعين العام والخاص.
في الوقت الذي يتكامل فيه التنفيذيون مع الاستراتيجيين، يتكامل الاقتصاديون مع الإحصائيين، ولهذا تبذل الحكومات جهودا كبيرة في توفير الإحصاءات من أجل صناعة قرارات اقتصادية واجتماعية فاعلة، لكن يبقى التساؤل، هل التنفيذي أم الاقتصادي أهم؟
مشاركة الاقتصاديين في القرارات العامة سجلت نسبة متقدمة في عدد من الدول، فمثلا في أمريكا بلغت نسبة مشاركة الاقتصاديين في اتخاذ القرار العام بشكل مباشر وغير مباشر 83 في المائة، وفي ألمانيا 44 في المائة، وبريطانيا 56 في المائة، وفي إيطاليا 43 في المائة، أما فرنسا فسجلت 60 في المائة.
أخيرا، تلك النسب المرتفعة تعطي أهمية للنظرة الاقتصادية وتكشف لنا عن مدى مساحة النظر الشمولي وطريقة التكفير التي يمتلكها الاقتصاديون، وبطبيعة الحال ومن تجارب الدول التي نجحت، كانت الجهود تتكامل على ثلاثة مستويات بالدرجة نفسها من الأهمية، فالرؤية تأتي أولا ويصنعها السياسيون، ثم يأتي دور الاقتصاديين في المرحلة التالية لرسم السياسات الاقتصادية ومساراتها وحوكمتها اقتصاديا وضبط العلاقة بين القطاعات، بما في ذلك التكاليف الاقتصادية من الأنظمة والتشريعات وأثرها الاقتصادي، وفي نهاية المطاف يأتي دور التنفيذيين للعمل بمحددات الرؤية والسياسات الاقتصادية والاستفادة من فرص النموذج الاقتصادي. واستخلاصا مما سبق، فالأهمية بين الاقتصاديين والتنفيذيين تكاملية ولا تنفصل، لأن أفضل السياسات الاقتصادية لا تعمل في الدول الفقيرة بالتنفيذيين، وفي الوقت نفسه لا تتشكل أسواق ناضجة وحقيقية ومتوازنة عندما يغيب الاقتصاديون عن المشهد، ومن هذا المبدأ فمن الضروري التأكيد على أن التنفيذيين وصناع السياسات الاقتصادية وجهان لعملة واحدة.

إنشرها