Author

ديون الدول الفقيرة و«الفيدرالي»

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

سنتحدث اليوم عن ديون الدول الفقيرة ووضعها مع رفع سعر الفائدة، وبادئ ذي بدء الحكومات لا تختلف كثيرا عن المستثمرين والأفراد في حاجتها إلى الديون، إلا أن الديون العامة تختلف باختلاف تصنيف الدولة، فالدول المتقدمة والغنية وذات الأسواق القوية لا تقترض من مؤسسات الأمم المتحدة، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإنما تقترض وفق أسس تجارية ومن خلال مقرضين كبار مثل بنوك كبيرة وعالمية كـ "جولدمان ساكس"، "جي بي موجان"، و"سيتي بنك"، أو محلية أو مؤسسات تقاعد أو من شركات تأمين، وجميع القروض في الأغلب تتم عبر شراء سندات أولية، أي شراء مباشر من الحكومات.
ومن البديهي أن الدول الفقيرة والهشة اقتصاديا لا يمكنها الاقتراض وفق المبادئ التجارية، لذا تلجأ إلى البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو نادي باريس لإعادة جدولة الديون القائمة والمتعثرة، وجميع تلك المؤسسات متكاملة مع صندوق النقد الدولي من حيث الالتزام بالإصلاحات الاقتصادية وتفعيل أنشطة البلاد الاقتصادية والتفاعل مع الأسواق وتقليص الدعم الحكومي، وهذه الشروط غير مستغربة لأن دور صندوق النقد على سبيل المثال يقوم بمساعدة الدول التي تواجه أزمات اقتصادية ويدعمها ماليا وفنيا، ولا سيما عندما يصل الأمر إلى عجز في دفع فواتير شراء غذاء الشعوب من الخارج وبالعملات الصعبة مثل الدولار، وعلى الرغم من ذلك، يتطلب الاقتراض نشاطا والتزاما من الحكومات حتى يقدم الصندوق خدماته وصندوق النقد يقرض بأسعار فائدة مقاربة للأسواق التجارية، لكن بشروط إصلاحية للنظام الاقتصادي، ومن زاوية أخرى في هيكل الإقراض العالمي تقترض الدول من بعضها، فالصين على سبيل المثال واحدة من أكبر الدول المقرضة عالميا.
ومن المناسب أن نذكر إجمالي ديون الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل بعدما عرفنا هيكل الإقراض العالمي للدول الفقيرة، فقد بلغت 8.7 تريليون دولار وفق تقرير إحصاءات الديون الدولية في 2022 لـ123 دولة، وعلاوة على تلك الديون، هناك قروض غير معلنة كديون الصين لعدد من الدول، وتشير بعض التقديرات إلى أن الصين تتصدر قائمة المقرضين في العالم ويأتي البنك الدولي ثانيا ثم ديون نادي باريس، أما ديون صندوق النقد فتأتي في ذيل القائمة.
أخيرا، بطبيعة الحال رفع سعر الفائدة من "الفيدرالي" سيفاقم ديون تلك الدول لطلب ديون جديدة للإنقاذ أو دفع خدمة ديون أعلى في كل مرة تصعد فيها الفائدة، بمعنى آخر، فقدان مكاسب تنمية الناتج المحلي الهشة لسداد الديون، وفي الوقت نفسه ستتراجع العملات والقوة الشرائية، لذا وعلى المستوى الإجرائي تلك الدول واقعة في كماشة ديون وضعف اقتصادي وتدهور عملات، أي أنها رهينة مشكلاتها إلى أن تطلق إصلاحات اقتصادية حقيقية وتحارب الفساد وتفتح أبواب الاستثمار الأجنبي المتوازن على مصراعيه، وتقدم الضمانات العادلة، وإذا لم تتوافر تلك الإصلاحات، فإن الإدارة الاقتصادية في الدول الفقيرة ستظل في أزمات اقتصادية صعبة وشديدة التعقيد.
إنشرها