وقفات تربوية .. مع بداية العام الدراسي
مع بداية العام الدراسي الجديد يحسن بنا جميعا أولياء أمور، ومعلمين في جميع المراحل الدراسية، أن نستحضر مفهوم التحفيز للأبناء، بدل التثبيط الذي قد نمارسه بعلمنا، أو دون ذلك. وما من شك أن التحفيز يمثل الطاقة الإيجابية التي يحتاج إليها البشر للقيام بواجباتهم، وإنجاز مهماتهم، وكلما زادت الطاقة الإيجابية تحققت الأهداف في وقت أقل، وجودة عالية، وذلك لما لها من رفع للروح المعنوية، وارتقاء بمفهوم الذات، وعلى النقيض من ذلك التثبيط يمثل طاقة سلبية مدمرة لمن يتعرض لها، لما تحدثه في الفرد من شعور بالدونية، ومفهوم ذات سلبي، وشعور بالنقص، والعجز أمام المهمات المطلوبة منه، كالواجبات، والمناقشة، والإجابة عما يطرح من أسئلة من قبل المعلم، حتى إن من يتعرض لهذه الحالة قد ينحسر نشاطه الجماعي، والتفاعل مع الآخرين.
للمعلم هيبته وتأثيره في طلابه، سواء ما يصدر عنه من كلمة، أو نظرة، ومن يستقبلها سيكون وقعها عليه حسب طبيعة المعنى الذي تتضمنه الكلمة، أو الإيماءة إن كانت إيجابية أو سلبية، لذا فحرص المعلم على اختيار الكلمة، ونوع النظرة من الأهمية بمكان في شكلها، ومضمونها، وتوقيتها، والظروف المحيطة بها.
أحد أساتذة الرياضيات في جامعة كولومبيا الأمريكية عرض على طلابه مسألتي رياضيات مستشهدا بهما على أنهما من المسائل التي يستحيل حلهما، وما من شك أن مجرد ذكر استحالة الحل سيكون له أثره فيمن سمع ذلك من الطلاب، إذ قد لا يحاول أحدهم فعل ذلك، إلا أن أحد الطلاب كان نائما آخر قاعة الدراسة، ولم يسمع ما ذكره الأستاذ، وبانتهاء المحاضرة استيقظ الطالب ليجد المسألتين على السبورة فنقلهما باعتبارهما واجبا منزليا، وبالفعل حاول حلهما، ونجح في حل أحدهما.
في المحاضرة التالية شرح الأستاذ موضوعا جديدا، ولم يتطرق إلى المسألتين، ولم يطلب الواجب من الطلاب، ومع نهاية المحاضرة سأل الطالب الأستاذ عن المسألتين، إذ لم يتطرق إليهما فكان رد الأستاذ أنه أوردهما باعتبارهما مثالا على استحالة حلهما، إلا أن الطالب فاجأ الأستاذ بأنه حل إحداهما، وبمراجعة الأستاذ للحل وجده صحيحا.
قامت جامعة كولومبيا بوضع ورقات الحل في "فترينيا" في بهو الجامعة تكريما للطالب، وتأكيدا على أنه لا مستحيل مع المحاولة، وبذل الجهد، متى ما توافرت الهمة، والسعي، وبذل الجهد، وتجنب المعوقات، وإبعادها عن الطريق. ما من شك لدي أن أي معلم يسعى إلى تعليم طلابه على أفضل وجه، فهذا واجبه الذي وظف من أجله، لكن لا يمكن إغفال الحالة البشرية، فالمعلم ينسى، وتعترضه بعض المواقف التي قد تؤثر في أدائه بصورة سلبية، مع حرصه على تجنب الآثار المترتبة عليها، وفي المقررات التربوية والسلوكية التي هي جزء من إعداد المعلم في كليات التربية يدرس الطالب ويتدرب على كيفية التعامل مع الطلاب، ومراعاة مشاعرهم، والعمل وفق مبدأ الفروق الفردية، حسب قدراتهم وميولهم.
إن إعداد جيل من أبناء وبنات الوطن قادر على خدمة دينه، ووطنه، ومجتمعه بكفاءة عالية يتطلب اختيار طرق التعامل المثلى مع الطلاب، فلا حزم منفر، ولا تهاون مضيع. فغرس قيم الجد، والمثابرة، وحب طلب العلم، والأمانة، والصدق، وحب الاكتشاف، والإخلاص، يتطلب الاتزان في التعامل، والتقرب من الطلاب لجذب انتباههم وتشويقهم، فمصادر التأثير متعددة ومغرية.