رائحة اليوم الأول
تبقى ذكريات الأشياء الأولى في الحياة عالقة طيلة العمر، ويتجدد ذكراها مع كل مناسبة مشابهة، ومن النادر جدا أن تجد شخصا لا يتذكر تلك الأحداث مهما كان عمر الإنسان، وهذا ما يجعل لها بصمة في حياتنا بغض النظر عن أفراحها أو أتراحها.
قبل أيام عاد أكثر من ستة ملايين طالب وطالبة إلى مقاعد الدراسة، بشكل منتظم، بعد استقرار الأوضاع وزوال جائحة كورونا تماما. عادوا أكثر بهجة وأملا وإصرارا وحماسا لمواصلة التعليم من أجل تحقيق الأمنيات. مع عودتهم عادت الحياة إلى طبيعتها بعد تجربة مريرة خلال الأعوام الثلاثة السابقة.
كل شيء في الأيام الأولى له رائحة خاصة لا يمكن أن تزول منذ أن تمر بأنف الإنسان. فالسيارة لها رائحة مميزة، وبعض المطاعم يبدع في وضع نكهة لا يمكن أن تجدها في أي مطعم، كما أن للمستشفيات رائحتها الخاصة، وهكذا مع الأشياء التي تتميز بروائح من الصعب استنساخها أو وجودها في غير مكانها.
للمدارس في اليوم الأول رائحة عجيبة وغريبة، فهي مزيج من البلاستيك؛ كون الحقائب والأدوات الدراسية جديدة، وأيضا الكتب والدفاتر مع الملابس جديدة، وكل شيء تقريبا جديد وربما الأثاث. هذه الرائحة لا يمكن أن تزول من مخيلة أي شخص مر بتجربة اليوم الأول في المدرسة، وبالتأكيد معها مواقف وأحداث. الذي مر هذا الأسبوع مع بداية المدارس سيعرف أن الرائحة باقية. ماذا لو قام كاتب بجمع مذكرات اليوم الأول في المدرسة خلال العقود الستة الماضية لعدد من الأشخاص من مختلف المناطق؟ في نظري، توثيق مثل هذه اللحظات سيكون مرجعا تاريخيا اجتماعيا يرصد حركة التعليم في بداياته. بالمختصر، قد نستمتع بالنهايات، لكن للبدايات مذاق آخر.