ليت الليالي تعود
في إحدى المناسبات السعيدة، جلست بجواري سيدة في مقتبل العمر بدأت في الدردشة معي وبادلتها الحديث، وبعد ساعتين فقط شعرت أني أختنق ولا أكاد أتنفس، لم أجد مفرا من تغيير مكاني بحجة البحث عن هواء مكيف بارد، لكن الحقيقة هي أني كنت أبحث عن مخرج من ذلك الموقف الذي أدرك جيدا أنه سيفسد مزاجي بقية اليوم. تلك المرأة فتحت باب التشكي والتذمر على مصراعيه وندب حظها التعيس والبكاء على أطلال الماضي ورحيل الناس الطيبة، ثم بدأت في تقليب صفحات حياتها الشخصية لتروي لي من ذكرياتها أشدها ظلاما وأقساها مرارة وأحزنها أحداثا، ثم عرجت على حكايتها مع زوجها وكيف تحملت معه أعوام الكفاح وأيام الفقر وساندته في أزماته ليكافئها بعد ذلك بالمشاعر الجافة والبخل بوقته وعواطفه، ولم تنس في خضم ثورة مشاعرها السلبية أن تتذكر خذلان صديقاتها لها وهي التي كانت لهن الصدر الحنون الذي يحتويهن في الشدائد، لم يتبق أحد في حياتها لم تذكره بسوء، وفي كل مرة تتنهد بحسرة وهي تقول ليت الليالي تعود ويرجع زمن الطيبين والنفوس الحلوة.
حين قمت بتغيير مكاني وأنا بالكاد أتنفس من تأثير روحها السلبية ونظرتها التشاؤمية لكل من حولها وما حولها جلست بجواري إحدى الصديقات وهي بالكاد تداري ضحكتها فقد فهمت ما عانيته خلال هالساعتين، ثم أخبرتني أن هذه السيدة تعيش في رغد من العيش في فيلا فاخرة في أرقى الأحياء ولديها خدم وسائقون، وزوجها طوع أمرها ويفعل كل ما بوسعه لإسعادها وطاف معها معظم دول العالم، وحفلاتها وطلعاتها مع صديقاتها شبه أسبوعية، لا أخفيكم أني صدمت من كل هذه النعم التي ترفل فيها ورغم ذلك "تتحلطم"، وتنشر روحها السلبية ومشاعرها السوداوية، هل الأمر يتعلق بعدم الرضا والقناعة أو الخوف من الحسد. لا أتوقع؟!
بعض الأشخاص أصبحت السلبية هوس وإدمان بالنسبة إليهم، وبمجرد منحك فرصة لهم "للفضفضة" فسيتنزف طاقتك ويشعرك بالتعاسة واقتراب نهاية العالم وأن كل الطيبين قد رحلوا ولم يتبق إلا الأشرار، ثم سيسحبك نحو منطقته المظلمة ليذبح أي مشاعر إيجابية تحملها فوق حائط مبكاه الأسود، وسيتبقى شيء من سواد روحه مسكوبا داخلك، ثم ستدهش فيما بعد حين تعلم أنه يستمتع مع عائلته في إحدى الجزر السياحية الغالية أو يخطط لإنشاء مشروع سيكون حريصا أن تكون أنت آخر من يعلم به، أو يحتفل بسعادة مع أحبته الذين ظننت بطيبتك ألا وجود لهم في حياته.
وخزة:
السلبي هو شخص يفسد يومك ثم يكمل بقية يومه بكل استمتاع!