التمويل المبتكر يساعد على إعادة بناء أوكرانيا

تتفاوت التقديرات إلى حد كبير بشأن تكاليف إعادة الإعمار في أوكرانيا. إذ حدد رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، أخيرا الفاتورة المحتملة بمبلغ 750 مليار دولار، بينما يعتقد فيرنر هوير رئيس بنك الاستثمار الأوروبي، أن البلاد قد تحتاج إلى 1.1 تريليون دولار. وكلما استمرت الحرب ارتفع هذا الرقم.
وستحتاج أوكرانيا إلى إعادة بناء محطات الطاقة، وشبكات الكهرباء، والبنية التحتية الحيوية فيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي والنقل. وستتطلب الصناعة توافر الاستثمارات، كما سيتعين إعادة بناء المنازل وإصلاحها قبل فصل الشتاء ـ رغم أن عديدا من المدن والبلدات والقرى دمر بالكامل.
لكن أوكرانيا لن تكون قادرة على تمويل مثل هذا البرنامج الاستثماري الضخم بمفردها، ولا ينبغي لها الاعتماد على تعويضات من روسيا. لذلك، يجب أن تحصل على التمويل من مؤسسات التنمية متعددة الأطراف أيضا، مثل: البنك الدولي، وبنك الاستثمار الأوروبي، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير. وسيتعين على الحكومات الغربية أن تسهم بحصة في التمويل، شأنها في ذلك شأن الاتحاد الأوروبي.
إن أكبر مشكلة هي أن أوكرانيا ستحتاج إلى المال بمجرد انتهاء الحرب. ولأن الدولة لا تملك ما يكفيها من الاحتياطيات، فسيتعين عليها الاقتراض. لكن جدارتها الائتمانية السيادية ستكون في الحضيض بعد الحرب، على الرغم من أن وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني قامت أخيرا برفع تصنيف أوكرانيا من RD "تخلف عن سداد مقيد" إلى CC. وفضلا عن ذلك، لن تتمكن الحكومات الغربية من تحويل 100 مليار دولار إلى أوكرانيا بين عشية وضحاها. إذ لا تزال حائرة بين إنفاق مواردها المالية على تدابير مواجهة آثار جائحة كوفيد - 19 وبين إنفاق مزيد على الدفاع. فألمانيا وحدها تنوي استثمار 100 مليار يورو إضافية "101 مليار دولار" في جيشها.
لكن آليات التمويل المبتكرة يمكن أن تساعد - على الأقل - على سد جزء من فجوة التمويل الهائلة في أوكرانيا. ويجب أن يأخذ صانعو السياسات في الحسبان سابقتين أخيرتين على وجه الخصوص. إن أحد الخيارات الواعدة هو إنشاء مرفق تمويل دولي لإعادة إعمار أوكرانيا. وسيصمم هذا المرفق وفق نموذج مرفق التمويل الدولي للتحصين، الذي أنشأه عام 2006 عديد من الحكومات المانحة بقيادة المملكة المتحدة، بهدف توفير الأموال مقدما لتطعيم الأطفال في أفقر دول العالم.
وتلقى مرفق التمويل الدولي للتحصين من الحكومات ذات التصنيف العالي تعهدات - ملزمة قانونا - متعددة الأعوام يبلغ مجموع قيمتها أكثر من ستة مليارات دولار، ما يمكنه من الحصول على تصنيف "AAA" والبدء بالاقتراض في أسواق السندات الدولية. وأرسلت الأموال المقترضة ـ أول إصدار من السندات لمرفق التمويل الدولي للتحصين بقيمة مليار دولار ـ إلى Gavi، "غافي" تحالف اللقاحات لتمويل عمليات التحصين الفورية ذات النطاق الواسع. وسيكون مقر مرفق التمويل الدولي لإعادة إعمار أوكرانيا المعفى من الضرائب خارج أوكرانيا، وسيعمل وفقا لأفضل معايير الممارسة التشغيلية وتلك المتعلقة بالحوكمة. وبدلا من أن تحول عديد من الحكومات الغربية مبالغ ضخمة من الأموال من ميزانياتها الحالية، ستكون قادرة على تقديم التزامات ملزمة قانونا على مدى 20 عاما. وإذا نظمت تنظيما صحيحا، فلن يتم تضمين المبالغ في الميزانيات الحكومية المعنية إلا في العام الذي تصبح فيه مستحقة. واعتمادا على التصنيفات الائتمانية للدول المانحة والسياسات المالية للمرفق، يمكن أن يحصل مرفق التمويل الدولي لإعادة إعمار أوكرانيا على تصنيف "AA" أو أفضل. ومن شأن ذلك أن يمكنه من الاستفادة من أسواق السندات الدولية والتمويل الأولي لأوكرانيا، وصرف الأموال عندما تحتاج إليها الدولة. وبهذه الطريقة، يمكن تسريع وتيرة إعادة بناء البنية التحتية، والمساكن التي يحتاج إليها السكان النازحون في أوكرانيا بشدة.
والاحتمال الثاني هو أن تصدر أوكرانيا سندات "برادي"، على غرار بعض الأسواق الناشئة ـ بما في ذلك عديد من دول أمريكا اللاتينية، وبلغاريا، والمغرب، ونيجيريا، وبولندا، والفلبين ـ عندما تخلفت عن سداد قروض البنوك التجارية قبل ثلاثة عقود. ولحل الأزمة، قبلت البنوك خفض مستحقاتها أو خسارة جزء منها، وحولت ما تبقى من الدين إلى سندات سيادية قابلة للتداول، مع ضمان سداد أصل الدين، ومن ثم ضمانه بأوراق مالية حكومية مصدرة خصيصا لهذا الغرض. وفي حالة سندات "برادي" المقومة بالدولار، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية أوراقا مالية خاصة لمدة 30 عاما دون قسيمة لتوفير مثل هذه الضمانات، ما يجعل السندات جذابة للمستثمرين.
ويمكن لأوكرانيا، التي سيمنعها تصنيف "CC" من الاستفادة من أسواق الديون الدولية بمفردها، أن تستخدم هيكلا مشابها لبدء برنامج إصدار السندات الخاص بها. وستكون الحكومة مسؤولة عن دفع الفائدة على سنداتها من "برادي" ـ مع توفير النقد الأجنبي اللازم من خلال الضرائب ـ وستكون المدفوعات الرئيسة مضمونة بسندات دون قسيمة تصدرها حكومات ذات تصنيف عال، أو الاتحاد الأوروبي، أو جهات أخرى. وسينبغي لأوكرانيا شراء هذه السندات دون قسيمة، أو يمكن للحكومات الراغبة في دعم إعادة إعمار البلاد التبرع بها. إن ارتفاع أسعار الفائدة وضيق الميزانيات الحكومية يعنيان أن المبالغ الكبيرة اللازمة لإعادة بناء أوكرانيا لا يمكن جمعها دفعة واحدة. لكن آليات التمويل الإبداعية يمكن أن تساعد على تخفيف الضغط وتسريع وتيرة إعادة إعمار البلاد.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي