Author

مقتل الظواهري يثير تساؤلات ويطرح فرضيات

|
أثار مقتل الإرهابي المصري أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، بطائرة مسيرة أمريكية في كابول في الـ31 من تموز (يوليو) الماضي كثيرا من التساؤلات والفرضيات داخل أفغانستان وخارجها.
فالواقعة أكدت أن حركة طالبان الحاكمة في كابول لم تلتزم بأحد أهم بنود الاتفاق الذي أبرمته في الدوحة مع واشنطن في كانون الثاني (يناير) 2020 الذي سمح لها بالوصول إلى الحكم على أنقاض حكومة الرئيس أشرف غني الشرعية. ونعني بذلك بند قطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة، شاملا عدم إيواء عناصرها ومنع حصولها على أي شكل من أشكال الدعم المادي أو اللوجستي، ويكفي دليلا على خرق الطالبانيين للبند المذكور وجود الظواهري مقيما في فيلا في أحد أفخم أحياء العاصمة وأكثرها حراسة وتحصينا، بل تعود ملكية الفيلا إلى الملا سراج الدين حقاني وزير داخلية طالبان!
من ناحية أخرى، أعادت الواقعة إلى الأذهان، إن لم تؤكد، ما تردد طويلا من أن طالبان منقسمة على نفسها اليوم، وتسود أوساطها خلافات مريرة حول قطع الحركة لروابطها مع "الإخوة" في التنظيمات الجهادية الأخرى من عدمه. فبعيد إعلان مقتل الظواهري ترددت في كابول أقاويل كثيرة افترضت أن تصفية الأخير داخل منطقة شديدة التحصين لم يكن ممكنا لولا وجود وشاية ومساعدة محلية بخصوص مكان إقامته، وأن هذه الوشاية مصدرها فصيل طالباني أراد إحراج فصيل آخر منافس له.
ومثل هذه الفرضية غير مستبعدة إذا ما أخذنا في الحسبان تقارير تحدثت عما يمكن وصفه بصراع وتنافس داخل طالبان بين قادتها المخضرمين من الجيل القديم المتشدد من أمثال مولوي هبة الله آخوند زادة "قائد الحركة وزعيم البلاد"، والملا عبدالغني برادر "نائب رئيس الوزراء"، والملا سراج الدين حقاني، ممن يرون أن قطع العلاقات والروابط مع القاعدة أمر مخالف للشرع، وخيانة لرفاق الدم والسلاح تحرمها العادات القبلية البشتونية "خصوصا أن المعروف عن حقاني صلاته الوثيقة والقوية مع تنظيم القاعدة منذ زمن إمارة أفغانستان الإسلامية تحت قيادة الملا محمد عمر"، وبين جيل الشباب من الطالبانيين الطامحين لقيادة أفغانستان بعيدا عن أحداث الماضي، وباتجاه رؤى جديدة محفزة للمجتمع الدولي لتقديم اعترافه الدبلوماسي ومساعداته من أجل بناء أفغانستان جديدة.
ولا يستبعد أن يكون المال هو الذي أغرى الجناح الشبابي المناوئ لحقاني وبرادر وأتباعهما من القندهاريين، وجعله يقدم على الوشاية. فالمكافأة الأمريكية البالغ مقدارها 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اصطياد الظواهري أو قتله مغرية وكبيرة بالمقاييس الأفغانية الراهنة، وبامكانها أن تعزز موقع الحاصل أو الحاصلين عليها داخل السلطة الطالبانية، بل ترسخ صورتهم في أوساط الجماهير كمنقذين في حال إنفاقهم كل أو بعض المكافأة الأمريكية في تخفيف حدة مشكلات البلاد المتفاقمة والناجمة عن خواء الخزينة العامة، وانقطاع الدعم الخارجي، دعك مما تمر به البلاد من مآزق معيشية، ونقص في الغذاء والدواء، وشح في المياه وجفاف لم تشهد مثله أفغانستان طوال تاريخها.
والمعروف أن واشنطن اندفعت على عجل لتنفيذ اتفاقية الدوحة، على أمل أن تستخدم طالبان كأداة لمواجهة التهديد المتنامي لتنظيم داعش ـ خراسان "أسس من منشقين عن طالبان في 2015" في المنطقة، بينما قبلت طالبان بالاتفاقية بحماس لأنها تحقق لها حلميها، حلم الوصول إلى السلطة، وحلم "تطهير البلاد من القوات الأجنبية الكافرة". ومع هذين الحلمين كان هناك حلم نيل الاعتراف الدولي، وبالتالي تدفق الأموال والمساعدات الأجنبية. غير أنه من الواضح الآن أن أيا من طرفي الاتفاقية لم يحقق أهدافه منها بالكامل. بل يمكن القول إن توقيع طالبان على اتفاقية الدوحة فجر غضب داعش ضد الطالبانيين بأشد مما قبل وساوتهم بالأمريكيين، بدليل الهجمات النوعية التي قام بها الداعشيون ضد حكومة طالبان منذ تسلمها الحكم قبل عام، وكان آخرها تفجير انتحاري في مدرسة دينية في كابول في الـ12 من آب (أغسطس) الجاري أودى بحياة رجل الدين المؤثر الملا رحيم الله حقاني وشقيقه وإصابة ثلاثة من رفاقهما. وردا على جرائم تنظيم داعش ـ خراسان المتكررة ضدها، أعلنت طالبان في تموز (يوليو) من العام الجاري تصنيفه كطائفة مارقة، وقالت، "نخاطب الأمة بأن ظاهرة الفتنة المسماة داعش ـ خراسان باطلة وهي طائفة كاذبة تنشر الفساد في بلدنا الإسلامي"، مضيفة "يمنع حصولهم على أي نوع من المساعدة أو العلاقة معهم".
إنشرها