سؤال الكتابة باليد!

كل شيء يتعلق بوالدتي ـ رحمها الله ـ راسخ في الذاكرة رسوخ العقيدة في قلب المؤمن، لكن بعض الأشياء تزداد تفصيلا في لحظات معينة، فمثلا لا تذكر الكتابة بخط اليد إلا ويمر طيف خطها الجميل أمامي كأنه عرض البيانات/ العدادات على مستوى الرأس في السيارات الجديدة HEAD-UP DISPLAY، وتمر صور إهداءاتها على مصحف أو كتاب، أو رسائلها القديمة كلوحة جمالية لا تنسى.
كان لها خط بسيط وجميل، لا يتغير مهما تغيرت نفسيتها، أي أنها من الذين يصعب تحليل نفسيتها من خط يدها الذي ظل ثابتا حتى وصولها إلى مرحلة العجز عن مسك القلم فضلا عن الكتابة - رحمها الله.
أيضا لا يذكر خط اليد الجميل إلا وأستحضر خط الصديق محمد أبو عمير، الذي زاملته في مجلة "اليمامة" في أوائل التسعينيات، وصادقناه أنا وكثير من الزملاء إلى حين وفاته المبكرة - رحمه الله وعوض شبابه في الجنة.
كانت المواد الصحافية حينها تقدم للصف والإخراج مكتوبة على الورق بخط اليد، كانت هناك أجهزة حاسوب، لكنها لا تتاح للجميع، ولا يزال البعض يكتب بيده أسرع من الكتابة عليها، وكان أبو عمير من الذين لا يتغير خطهم مهما كان مستعجلا أو مهما كانت حالته النفسية.
استحضرت كل ذلك مع أسماء أخرى لها خط جميل وأنا أقرأ المادة التي نشرتها جريدتنا "الاقتصادية" الثلاثاء الماضي لبيليتا كلارك من لندن وعنوانها "محفزة للدماغ ولا يمكن العيش دونها.. ما وراء الكتابة باليد".
في ختام هذه المادة الرائعة قالت الكاتبة، "الكتابة بخط اليد هي أحد الإنجازات الأساسية للبشر. نحن نأخذها كأمر مسلم به، لكن إذا اختفت تماما سنفتقدها أكثر مما نتخيل".
أصبت بالرعب من من كلمة "إذا اختفت"، وتأملت حولي فوجدتها في طريقها إلى ذلك، نعم، فنحن بالكاد نكتب بأيدينا، والطلاب والطالبات الجدد يزداد إعجابنا بمدارسهم كلما قلت واجباتهم المطلوبة كتابة باليد إلى تلك المطلوبة رقميا عبر الأجهزة الذكية، فهل سيأتي جيل أو أجيال لا يعرفون ما القلم أو قلم الرصاص، كما لا يعرف بعض أطفال اليوم كثيرا من أدواتنا الدراسية أو المعيشية؟
الأدوات والآلات تفرض على الإنسان مع مرور الوقت قواعد جديدة لاستخدام أعضائه وملكاته وأحيانا حتى حواسه، أليس كذلك؟ فكيف نصنع في هذه الحالة نشجع أطفالنا على حداثة أدوات الكتابة، أو نطمئن لقدرتهم على استخدام أصابعهم وأيديهم؟ أيهما اليوم يجب أن يكون الوضع الطبيعي؟ إنه سؤال محير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي