Author

اختراق العقل البشري!

|
استوقفني كتاب مثير بعنوان «اختراق أو قرصنة العقل الأمريكي» The Hacking of the American Mind لمؤلفه روبرت لوستج، وهو متخصص في العلوم الصحية، تركزت أبحاثه حول الإدمان والسمنة والغدد الصماء، وحظي الكتاب باهتمام كبير، وأصبح من أكثر الكتب مبيعا، إلى جانب كتاب آخر للمؤلف نفسه بعنوان Fat Chance. وعلى الرغم من أن الكتاب وموضوعه يقع خارج اختصاصي العلمي، إلا أن ما طرح في الكتاب من أفكار وفرضيات يستقطب اهتمامي، ويستدعي الاهتمام والتأمل.
يركز الكتاب على الفرق بين المتعة مقابل السعادة، فالمتعة هي الحالة العاطفية حين يشعر دماغ الإنسان بشعور جيد، ويطمع في مزيد ومزيد، في حين أن السعادة "الرضا" هي الحالة العاطفية التي من خلالها تبتهج، ويشعر عقل الإنسان بشعور جيد، لكنه يكتفي ولا يريد مزيدا من السعادة. إذن، الفرق بين المتعة والسعادة يرتبط بهرمون أو ناقل الدوبامين مقابل هرمون السيروتونين وتأثيرهما في سلوك الإنسان.
ويشير المؤلف إلى أن المتعة مرتبطة بهرمون الدوبامين، في حين السعادة مرتبطة بما يعرف بالسيروتونين.
المتعة تمنح الإنسان شعورا بالنشوة، ويطلب مزيدا سواء من الكحول أو المخدرات أو حتى الطعام، أما السعادة فتشبه الرضا. ولكن يؤثر كل منهما في الآخر، ما ينعكس على سلوك الإنسان، فيؤدي كثير من النشاط المحفز للدوبامين إلى تثبيط السيروتونين، ما يجعل الإنسان أكثر تعاسة. وفي المقابل، فإن ناقل أو هرمون السيروتونين يعطي الشعور بالسعادة ولا يطلب مزيدا.
ويحدد المؤلف بعض الفروق بين المتعة والسعادة، ومنها: "1" المتعة هي إحساس يدفعه هرمون الدوبامين في الدماغ، في حين أن السعادة أو الرضا، إحساس يدفعه هرمون السيروتونين في الدماغ، وكل منهما ناقل عصبي يتكون من مادة كيمياوية تصنع في الدماغ وتحرك المشاعر والعواطف. "2" يمكن تنشيط المتعة من خلال تناول المواد "السكر المضاف، الكافيين، المخدرات"، في حين لا يمكن تنشيط السعادة بأي مادة، بل تتطلب أفعالا أو تجارب أو محفزات غير مادية. بعبارة أخرى، يمكن تحقيق المتعة بمواد مختلفة مثل تعاطي المخدرات أو الكافيين أو الكحول أو تناول السكر، وعلى العكس من ذلك، لا يمكن تحقيق السعادة بتعاطي المخدرات، بل تتحقق السعادة بالأفعال مثل التخرج في الكلية أو إنجاب طفل ونحو ذلك. "3" تحدث المتعة من خلال فعل "الأخذ" أو "الاستحواذ" "شراء أداة، أو دمية، أو الفوز بلعبة أو نحوها"، وتختفي الإثارة بسرعة، في حين تتولد السعادة والرضا من خلال العطاء، مثل التبرع أو الاهتمام بشخص عزيز، كالزوج أو الزوجة أو الأطفال أو الأصدقاء، أو تكريس الوقت لمشروع جدير بالاهتمام، وتستمر فترة طويلة. بعبارة أخرى، فإن المتعة لا تستمر طويلا، أي ساعة أو سويعات، في حين أن السعادة تدوم لفترة أطول تمتد إلى أسابيع أو شهور أو حتى أعوام.
"4" المتعة حسية مرتبطة بالحواس الخمس، أما السعادة فهي مرتبطة بأمور غير حسية. "5" المتعة يشعر بها الشخص وحده، أي أنها فردية، لكن الشعور بالسعادة والرضا يحدث بالمشاركة مع الآخرين بشكل مباشر، بل قد يمتد تأثيره إلى المجتمع بأكمله. "6" من المثير أن طلب مزيد من المتعة يمكن أن يؤدي إلى الإدمان، ومن ثم البؤس والتعاسة، ففي حالة إدمان الطعام، يمكن أن يؤدي إلى متلازمة التمثيل الغذائي، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يشمل بعض السلوكيات، مثل التسوق ومشاهدة التلفزيون والأفلام الإباحية. أما السعادة فهي لا تسبب الإدمان، بل هي داعمة للصحة، لأن المشي أو اللعب مع الأبناء والأحفاد يمكن أن يجلب الرضا ويزيل عنك الهموم والتعاسة.
ويعطي المؤلف وصفة للسعادة من خلال العطاء ومساعدة الآخرين، والتمتع بعلاقات اجتماعية وثيقة، وممارسة الرياضة، وتجنب تناول السكر، وتناول زيت السمك، مع الابتعاد عن الشاشات، وتقليل النزعة الاستهلاكية قدر الإمكان.
وأخيرا، فإن الإفراط في المتعة يؤدي إلى الإدمان والتعاسة، بينما السعادة هي مفتاح العمر الطويل. ومن المؤسف أن بعض الشركات يخفي الصلة بين منتجاتها وبعض الأمراض، وتخلط بين مفهومي المتعة والسعادة بدافع تحقيق الربح، مثل تسويق الوجبات السريعة والمشروبات الغازية مباشرة للأطفال والشباب.
إنشرها