Author

«ومن يؤت الحكمة»

|

هناك خصال حميدة تتوافر في أناس دون غيرهم، وتمنحهم ثقة الآخرين بهم والحرص على استشارتهم، ومن أبرز تلك الخصال، خصلة الحكمة، التي أشار الحق -سبحانه وتعالى- إليها في أكثر من موضع في القرآن الكريم: "يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا..." الآية، كما وردت الإشارة إليها في السنة، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-، "لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها".
لا يوجد تعريف محدد للحكمة لارتباطها بأمور عدة، لكن يتفق الجميع أنها إصابة في الرأي والقول والعمل، ولذلك فهي صفة تمنع صاحبها من الشطط أو الخطل، فتكون آراؤه وأقواله وأفعاله واقعة على وجه الصواب، فهي تعكس التوازن المطلوب بين التفكير والسلوك، وهي الاعتدال والتوسط فلا إفراط ولا تفريط. ومن الملاحظ أن الحكمة تزداد مع تقدم العمر واكتساب الخبرات، فتجد الشخص الحكيم يرجح الأمور نحو الصواب في ضوء ما امتلكه من خبرات عبر تجاربه في الحياة، وهي تختلف عن الذكاء، فقد يكون الإنسان ذكيا، لكنه يفتقد الحكمة لأن الذكاء يعبر عن معرفة الشيء، في حين أن الحكمة تعبر عن القدرة على الحكم فيما إذا كان ذلك الشيء مقبولا أم لا، فهي بحق مزيج من المعرفة والخبرة والفهم العميق للأمور ودلالاتها.
وقد أحسن الإمام ابن القيم حين وصف الحكمة بأنها "فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي" يوصف الإنسان بأنه حكيم إذا توافرت فيه صفات عدة ومميزات تميزه عن الآخرين وقد لا تكون ظاهرة للناس، لكنها تتجلى في تصرفاته وطريقة تعامله مع الآخرين وفي آرائه ووجهات نظره، فهو متفائل بالحياة قادر على حل المشكلات بأفضل الطرق، يمتلك قدرا كبيرا من الهدوء وحسن التصرف، خاصة أوقات الأزمات أو عند اتخاذ القرارات الصعبة أو المصيرية.
يقدر الأمور بقدرها ولا يحمل الأحداث مالا تحتمل، فالصغيرة في عينه صغيرة، والكبيرة يحيلها بحكمته إلى صغيرة.
الحكمة تقرب الإنسان إلى خالقه ومعبوده، وترفع من قدر الإنسان لدى الآخرين لثقتهم بكمال عقل صاحبها وحسن تصرفه، فهنيئا لمن أوتي الحكمة، وكل التقدير لمن سعى إلى اكتسابها.

إنشرها