Author

تكلفة الخوف ماديا

|
كان هذا العنوان «تكلفة الخوف» هو موضوع ورقة علمية تنظر في تكلفة التنمر على المنظمات الصحية البريطانية، التي تم توقعها في المقالة لتصبح 2.28 مليار جنيه استرليني يتكبدها دافع الضريبة من خلال التنمر الذي يحدث في الخدمات الصحية الوطنية البريطانية NHS، ويرتفع الرقم أكثر إذا حاولنا توقع الأثر المادي في الاقتصاد ككل. تنظر معظم الدراسات التي تحاول تقييم أثر التنمر إلى محاور عدة، وتحاول تفسيرها بطريقة مادية بحتة ليسهل تصور حجمها، فالحديث المادي يسهل فهمه مقارنة بالجوانب الاجتماعية والأخلاقية الأخرى التي يصعب تجسيدها وتجسيد أثرها.
التنمر مثال جيد للحالات التي يمكن دراستها، وتشمل سلوكيات مرفوضة تؤثر سلبا في الفرد والمجموعة والمنظمة والقطاع، للاقتصاديين دور كبير في ربط الفعل بالنتيجة وتوضيحها. تبدأ عملية تتبع الأثر هنا بما يؤثر في الفرد أو يتأثر به، مثل: القلق والأرق والإحباط والاكتئاب والتأذي النفسي والجسدي بما في ذلك الأمراض العضوية. وأما المجموعة فستظهر بها أنماط سلبية مختلفة تتبع تدهور المزاج العام والإنتاجية والرضا وانتشار الأجواء السلبية والسمية وتدهور عملية التحفيز وما إلى ذلك. وما يؤثر في الفرد والمجموعة يؤثر في المنظمة حين يفسر ويظهر في صورة استقالات للموظفين وغياب متكرر وكثرة الدعاوى الكيدية وطلبات التعويضات وتدنى مستوى جودة الأداء وانتشار أمراض ثقافة المنشأة المعدية وصعوبة الاستقطاب.
تحويل السلوك إلى أثر يتطلب وجود نمذجة تنقل بطريقة علمية المحاور التي تظهر قابلية عالية للقياس إلى أثر مادي مباشر. أول هذه المحاور إلتى ينظر لها تكلفة الغياب المرضي، وذلك لوجود سجلات تثبت أسباب الغياب المرضى وتحدد مدى تكراره في فترات محددة. من المحاور الأخرى "دوران الموظفين" الناتج عن التنمر وهذا لا يشمل تكلفة استقطاب البديل فقط وإنما كذلك تكلفة تدني منحنى التعلم وتأثر الأعمال والإنتاجية بالفقد الذي يحل بأصحاب المهارة والموهبة، ومما تثبته الأبحاث ارتفاع نسبة الدوران لدى الفئات التي تتعرض للتنمر. ومن المحاور الأخرى الأثر المباشر في الإنتاجية وما يسبق حدوث مشكلات الإنتاجية من تدني مستوى الرضا الوظيفي والارتباط الوظيفي والانتماء للمنظمة.
ومن التكاليف الضخمة لهذه السلوكيات تكلفة معالجتها، التي تنقسم إلى جزأين، أولا، التكاليف الإدارية والتعويضات والتكاليف القضائية، وهذه تشمل قائمة طويلة من التكاليف التي قد تستمر في النزيف لواقعة واحدة لعدد من الأعوام، وثانيا، تكلفة الإجراءات التحسينية التي تحاول تفادي أو منع حدوث هذه السلوكيات، ومن ذلك تحسين الإجراءات وإعادة هندستها والدورات التعريفية والتوعوية وكل ما يمكن أن يقع ضمن التكاليف التنظيمية والتحسينية التي تصمم بهدف معالجة أو تفادي عديد من السلوكيات ومن ضمنها التنمر.
لا يعد التنمر إلا حالة مناسبة لربط السلوك الفردي أو الجماعي السلبي بالأثر المادي، وهناك كثير من الحالات الأخرى التي تستحق النظر والدراسة، مثل التسيب أو ضعف الانتماء أو المبالغة في التنافس أو الضعف المهاري أو القيمي وكل من هذه الظواهر قابل للدراسة والتقدير والربط.
يجب ألا ننسى أن الأثر الحقيقي لا يبدأ بالنتيجة المادية أو خسارة الريالات والدولارات، وإنما يبدأ أساسا بسلوك يتبعه سلوك آخر يؤول إلى نتيجة، هذه النتيجة قد تفسر بشكل اجتماعي أو ثقافي أو مادي. ولهذا ينبغي لمن ينظر لهذه الظواهر ويحاول فهمها أو تقييم أثرها ألا ينجرف خلف التجسيد المالي الذي يخدعنا بموضوعيته ويفقدنا تقدير الأثر في الجانب الأخلاقي أو العاطفي على سبيل المثال. تتأثر المنظمات بعدد كبير من الظواهر، وينبغي لمن يملك المقدرة التحليلية ويستطيع الوصول إلى المعلومات أن يتحفنا بخلاصاته حتى يتسنى لنا الفهم وتتحسن المعالجة. لا يمكن بأي حال من الأحوال التقليل من أثر هذه السلوكيات التي تمسنا وتمس أصدقاءنا في يومياتهم وتغذيها الأنظمة المؤسسية المعقدة، وتؤثر دون أدنى شك في مخزوننا الأخلاقي، وفي القدرة الإنتاجية والاقتصادية لأي بلد.
إنشرها