default Author

العقوبات الاقتصادية والصدمات العالمية «4»

|
تغيرت طبيعة العقوبات من حيث المخاطر والتكلفة الناجمة عنها، بينما ظلت قنوات انتشارها كما هي، ارتفاع أسعار السلع الأولية وتكلفة المعاملات وزيادة اختناقات الإمداد والخسائر التجارية، وأصبحت تؤثر في مزيد من المواطنين حول العالم.
وسرعان ما تتضح فداحة التداعيات الناجمة عن العقوبات ضد بلدان الشريحة العليا من الاقتصاد العالمي. فبينما تختفي صادرات السلع الأولية الروسية من الأسواق العالمية بفعل العقوبات، ترتفع الأسعار مؤدية إلى ضغوط على فاتورة الاستيراد والموارد العامة المحدودة لدى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية المستوردة للسلع الأولية على أساس صاف. ومن غير المستغرب أن هذه البلدان نفسها لم تشارك في تنفيذ العقوبات ضد روسيا، نظرا إلى أنها الأكثر عرضة لأزمات ميزان المدفوعات إذا ما تم تشديد العقوبات على الصادرات الروسية لفترة مطولة.
ويمتلك صناع السياسات اليوم الأدوات اللازمة جميعها لتجنب تكرار ما حدث خلال الثلاثينيات. فنظرا إلى الزيادة الكبيرة في حجم التكامل الاقتصادي في الوقت الحالي، سيتطلب الأمر قدرا أكبر كثيرا من الاضطرابات الراهنة لجعل مخاوف انحسار العولمة واقعا ملموسا. كذلك أصبح هناك مزيد من الاقتصادات التي تمتلك ما يكفي من الموارد لتوفير مصادر إمداد بديلة، فضلا عن توافر أسواق تصدير للبلدان المضطرة لوقف التجارة مع روسيا. كذلك تمتلك الاقتصادات المتقدمة مجموعة أفضل من أدوات سياسة المالية العامة عما كان عليه الحال في مطلع القرن الـ20، وحيزا ماليا أكبر مقارنة باقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وإن كان استخدامها لنقاط القوة تلك لتعويض الضغوط الهائلة التي تفرضها العقوبات على الاقتصاد العالمي، فسيظل اختيارا سياسيا في نهاية المطاف. ويواجه عديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية مزيجا من الأعباء الملحة: ارتفاع الديون، وزيادة تكلفة التحول إلى الطاقة المتجددة، والنمو المستمر في أسعار الفائدة، وحالة الكساد التضخمي العالمية. وعلى مجموعة السبع والحكومات الأوروبية التي شاركت في تنفيذ العقوبات اتخاذ خطوات جادة نحو تقديم الدعم الاقتصادي لهذه الاقتصادات.
التحرك المشترك في مواجهة تداعيات العقوبات ضد روسيا سيصب في مصلحة رفاهية سكان العالم واستقرار الاقتصاد العالمي. وللمساعدة في هذا الصدد، يمكن اتخاذ عدد من الخطوات لتصحيح مسار السياسات.
أولا، ينبغي أن تركز الاقتصادات المتقدمة على الاستثمارات طويلة الأجل في البنية التحتية للحد من الضغوط المفروضة على سلاسل الإمداد، بينما ينبغي إيلاء الأولوية لدعم الدخل في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.
ثانيا، ينبغي أن تتجنب البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة التشديد السريع لسياساتها النقدية للحيلولة دون هروب رأس المال من الأسواق الصاعدة.
زيادة التكامل بين الأسواق أفسحت المجال لانتشار الصدمات الناجمة عن العقوبات عبر مختلف أجزاء الاقتصاد العالمي.
ثالثا، يمكن التصدي لمشكلات الدين وميزان المدفوعات التي توشك الاقتصادات النامية على مواجهتها من خلال إعادة هيكلة ديونها وزيادة مخصصاتها من حقوق السحب الخاصة التي يوفرها صندوق النقد الدولي، التي تعد أحد أشكال الاحتياطيات الدولية.
رابعا، ينبغي توفير الإغاثة الإنسانية، في صورة أغذية وأدوية تحديدا، للاقتصادات التي تمر بأوضاع حرجة.
خامسا، ينبغي أن تقوم التكتلات الاقتصادية الكبرى حول العالم بمزيد من أجل تنظيم الطلب على الغذاء والطاقة للحد من الضغوط السعرية الناجمة عن ممارسات الاكتناز والمزايدات التنافسية.
وما لم تطبق هذه السياسات خلال الأشهر القليلة المقبلة، سيكون ذلك دافعا لتنامي مخاوف عميقة بشأن آفاق 2022 وما بعده. وها هو الوقت قد حان للتفكير في انعكاسات العقوبات على الاستقرار الاقتصادي العالمي لتتسنى مواجهة التدابير الاقتصادية القسرية التي أصبحت واقعا جديدا.
إنشرها