Author

التحكم في المكيفات عن بعد .. هل هو ضرورة؟

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

يبدأ المستهلك بتفقد فواتير الكهرباء ومراجعة استهلاكه مع قدوم فصل الصيف، ومن المعروف أن كمية الهدر في استهلاك الكهرباء في المملكة تأتي بالدرجة الأولى من استهلاك التكييف الذي يقدر بأكثر من 55 في المائة مجموع استهلاك الطاقة الكهربائية في المملكة، حيث يلعب التكييف دورا رئيسا في القطاع السكني والتجاري والحكومي. وقد يرتفع هذا المعدل إلى 70 في المائة في ساعات الذروة، حيث يعد قطاع المباني المسؤول بشكل مباشر عن استهلاك نحو 55 في المائة من الطاقة الكهربائية المنتجة في المملكة. إن أسباب الزيادة في الطلب على الكهرباء تعود إلى تزايد نسبة النمو السكاني في المملكة، إضافة إلى نمط الحياة الصناعي المتطور. ولا يزال متوسط استهلاك الفرد في المملكة يبلغ ضعف متوسط الاستهلاك العالمي تقريبا، ولذلك نحتاج إلى طرح برامج نوعية لرفع مستوى كفاءة الطاقة وتحسين الاستهلاك. في إحدى الدراسات الوطنية عام 2016، أشير إلى أن عدد المكيفات في القطاع السكني في المملكة يقارب عدد سكانها "وكان حينها 32 مليون نسمة تقريبا"، ويدل هذا العدد المهول على أن كل مواطن أو مقيم كأنه يحمل معه مكيفا شخصيا بغض النظر عن سعته أو كفاءته، ونعتقد أن النسبة لا تزال كما هي الآن. لقد تمثلت الجهود الحالية في منع المكيفات ذات الكفاءة المتدنية وتطوير حوافز للمستهلك لاستبدال المكيفات ذات الكفاءة المتدنية بأخرى. إن ضبط درجة حرارة المكيف بين 24 و25 درجة مئوية في فصل الصيف تمثل الدرجة المناسبة، حيث يشعر الإنسان بالراحة ولا يحتاج إلى ضبط درجة التكييف أقل من ذلك، وكل درجة إضافية من التبريد الإضافي ستزيد من استخدام استهلاك الكهرباء بنسبة 6 إلى 8 في المائة، كما ذكرت عدة دراسات أجريت في ولاية تكساس الأمريكية، وهذا بالطبع ينعكس في ارتفاع الفاتورة.
في ولاية تكساس الأمريكية التي تشابه الواقع السعودي من حيث المناخ والطقس والحمل الذروي والطلب على التكييف وقت الصيف وحجم القدرات وأطوال خطوط الشبكات والمساحة وغيرها، أقر برنامج نوعي نحو التحكم في درجة حرارة المكيفات عن بعد للقطاع السكني لشركة CPS Energy وشركات أخرى تحت مسمى Smart Savers Texas، حيث يتم التحكم في درجة حرارة المكيفات عن بعد بوساطة منظم الحرارة "الثيرموستات"، ويحصل العملاء المشاركون في البرنامج على رصيد بالفاتورة بقيمة 85 دولارا لكل منظم حرارة، إضافة إلى رصيد سنوي بقيمة 30 دولارا في نهاية كل صيف مقابل التحكم في مكيفاتهم في موسم الصيف ويمكن للعملاء الانسحاب في أي وقت يشاؤون. وهناك برامج مشابهة في عدة ولايات أخرى مثل كاليفورنيا ونيويورك وغيرهما من أجل تقليل الاستهلاك وتخفيف الضغط على الشبكة الكهربائية وتجنب انقطاع التيار الكهربائي. ولقد ذكر بعض الدراسات أن رفع درجة حرارة واحدة للمكيفات تعادل وفرا خلال أوقات الذروة يصل إلى مئات الميجاواط، ويرتفع الوفر كلما ازداد عدد المشتركين في البرنامج. وعليه، لا توجد ضرورة لبناء محطات توليد كهرباء أخرى، وتأسيس شبكات نقل وتوزيع، ما يساعد على رفع كفاءة المنظومة وتقليل الطلب على الوقود، والمحافظة على البيئة. إن التحكم في درجة حرارة المكيفات عن بعد يمثل أحد برامج إدارة الطلب التي تمثل عمودا رئيسا للشبكات الذكية. ورغم ما ذكر من إيجابيات تتمثل لمصلحة الشركة والعميل والمنظومة وتقليل الفاتورة، على حد وصف البرنامج، فقد أثار أيضا مخاوف تتعلق بالخصوصية والسلامة لبعض العملاء الذين ذكروا أنهم لم يكونوا على علم سابق بما التحقوا به. ففي فصل الصيف الماضي، فوجئت ولاية تكساس بموجة حرارة عاتية هددت الشبكة الكهربائية مرة أخرى بعد أن عطلت عاصفة الشتاء أجزاء من الشبكة أياما عدة. وكان أحد الحلول التي توصلت إليها شركات الطاقة في تكساس هو رفع درجة الحرارة في منظمات الحرارة الذكية، وتكمن المشكلة في أن بعض أولئك العملاء لم يكونوا على دراية مسبقة بأن شركة الطاقة الخاصة بهم يمكنها ذلك حيث تصبح منازلهم دافئة بشكل غير مريح. ومما ذكر أن أحد منظمات الحرارة قد تم تشغيله عند 25.5 درجة مع عدم وجود إشعار على ما يبدو بخلاف النص المتفق عليه. وفي مدينة سان أنتونيو، عاد بعض عملاء شركة CPS Energy إلى منازلهم ليجدوها دافئة، ما أدى إلى تخلي البعض عن البرنامج. لقد قامت الشركة برفع درجة الحرارة في المنازل المشاركة لتوفير الكهرباء حيث طلب مجلس الموثوقية الكهربائية في ولاية تكساس الأمريكية Electric Reliability Council of Texas تحويل مكيف الهواء إلى درجة 25.5. ومن غير المحتمل أن يتطوع العملاء لاستخدام قدر أقل من الكهرباء التي يدفعون مقابلها عندما يحتاجون إليها بشدة، لكن تمنح مثل هذه البرامج الحوافز والوسائل للترشيد وضبط درجات الحرارة وتقليل الاستخدام المفرط للكهرباء.
إن برنامج التحكم في المكيفات عن بعد سيكون مفيدا للمملكة إذا ضبطت أنظمته ونصوصه، ووضع الحافز المادي المناسب، ودرست التقنية التي تتواءم من منظم الحرارة المحلية. ومن الضروري أن تطلق مرحلة تجريبية لمعرفة الدروس المستفادة، ومدى تقبل العملاء لهذه البرامج ودراسة سلوكياتهم قبل عملية الإطلاق على مستوى المملكة مع إعطاء العميل الحق في دخول البرنامج والخروج منه، كما يشاء، حسب رغبته وتقبله. وسيمثل تعاون شركات الاتصالات عاملا ممكنا لنجاح البرنامج كما تعمل الآن في برنامج العدادات الذكية. ولو تم تفعيل برنامج التحكم في درجات المكيفات عن بعد على مستوى المملكة، فقد يوازي وفرا يعادل سعة قدرات محطتي الكهرباء التاسعة أو العاشرة. ولا شك أن هذا التوجه سيؤثر في جانب العرض في الحد من ارتفاع الطلب الصيفي، وعدم الحاجة إلى بناء محطات توليد جديدة، والتخلص من المحطات القديمة ذات الاستهلاك العالي للوقود، وتخفيف حجم الانبعاثات الغازية، إضافة إلى التكلفة الاقتصادية المجدية.

إنشرها