Author

اتجاهات الإنجاب العالمية

|
إلحاقا لمقالات سابقة حول التغير السكاني في العالم عموما والمملكة خصوصا، كان آخرها مقال بعنوان: «أفول نجم الانفجار السكاني إلى الأبد»، أكتب اليوم عن اتجاهات الإنجاب في العالم عموما والمملكة خصوصا، وذلك تفاعلا مع مقالة جميلة للزميل والصديق الدكتور عبدالله المسند حول هذا الموضوع.
من المعروف أن العالم يشهد انخفاضا تدريجيا في معدلات الإنجاب على مدى العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية مع تسارع كبير، خاصة في الدول النامية التي تتمتع بمستويات تنموية مرتفعة، وفي مقدمتها المملكة. وبناء على هذا الانخفاض التدريجي في معدلات الإنجاب، فإن هناك تقديرات تشير إلى أن يصل سكان العالم إلى ذروته في 2064، وهناك من يرى بعد ذلك بأعوام قليلة، ثم يبدأ بالثبات أو الانخفاض التدريجي البطيء.
​عموما، فإن وصول معدل الخصوبة الكلي إلى ما يعرف بمستوى الإحلال "2.1" ينذر بالخطر، أو على الأقل يستدعي الدراسة الجادة ووضع سياسات سكانية مناسبة، حسب رؤية الدولة وإمكاناتها الاقتصادية، لكن ينبغي تأكيد أن الوصول إلى هذا المستوى، أي مستوى الإحلال، لا يعني بالضرورة الوصول إلى النمو الصفري أو تناقص عدد السكان على المدى القصير، لأن هناك عوامل أخرى تؤثر في ذلك، ولعل أبرزها طبيعة التركيب العمري، فيما يسمى قوة الدفع Population Momentum، وكذلك اتجاهات الهجرة. تجدر الإشارة إلى أن المقصود بمستوى الإحلال هو أن يقوم كل جيل بإحلال جيل آخر محله، أي أن كل أبوين يقومان بإحلال طفلين محلهما.
​ونتيجة للانخفاض الكبير في معدلات الخصوبة، بدأت بعض الدول بالفعل تشهد تناقصا في سكانها، نتيجة لتركيبها السكاني الهرم، وفي مقدمة هذه الدول اليابان وإيطاليا وإسبانيا، التي تعمل على وضع الخطط لمواجهة تأثير ذلك في اقتصاداتها نتيجة ما يحدث من انكماش في قوة العمل، ما بين تحفيز الإنجاب، وفتح باب الهجرة، أو زيادة استخدام الروبوت!
عودا للإحصاءات، فقد انخفض معدل الخصوبة "أو الإنجاب" على مستوى العالم من خمسة مواليد للمرأة في الخمسينيات من القرن الـ20 إلى 2.8 عند نهاية القرن الماضي، ثم إلى 2.4 في بداية هذا العقد. ولا يستثنى من هذا الاتجاه العام نحو الانخفاض أي دولة من دول العالم، فحتى الدول الفقيرة المعروفة بارتفاع معدلاتها الإنجابية، مثل: اليمن والصومال ومالي وأفغانستان، شهدت انخفاضا متفاوتا خلال العقود الماضية، فعلى سبيل المثال، انخفضت الخصوبة في اليمن من 7.8 مولود للمرأة خلال أعوام إنجابها إلى 3.4 في الوقت الحاضر، ومن المتوقع أن تلامس مستوى الإحلال عند منتصف القرن الحالي. في المقابل، يشير الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة الصحة في 2020، إلى أن معدل الخصوبة الكلي في المملكة انخفض إلى 1.9، أي أقل مما يظهر في قواعد البيانات الدولية.
وما حدث في المملكة كان لافتا للذين لا يزال بعضهم يردد الخشية من الانفجار السكاني، علما أن الانخفاض في المملكة لم يحدث نتيجة سياسة تنتهجها الدولة لخفض الخصوبة، وإنما جاء نتيجة التغيرات التنموية الإيجابية، مثل التحاق المرأة بالتعليم وخاصة العالي، وزيادة مشاركتها في قوة العمل، وانخفاض معدل وفيات الرضع، إلى جانب تحول نسبة كبيرة من السكان من العيش في القرى إلى المدن، وما واكب ذلك من تغير في القيم المتعلقة بالأسرة الكبيرة، وكذلك التحول من نمط الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية، علاوة على زيادة تكاليف بناء الأسرة الجديدة، ويلخص ذلك المفهوم الاقتصادي بأن هذا التغير يعكس التغير في قيمة الأطفال بناء على التكلفة والعائد، ما أدى إلى رفع سن الزواج للنوعين، وزيادة استخدام وسائل تنظيم الأسرة.
ولرسم سياسة سكانية خاصة بالخصوبة ينبغي إجراء دراسات دقيقة للنساء السعوديات دون غيرهن حسب الخصائص الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والمكانية، واستطلاع رغباتهن الإنجابية، ومن ثم اختيار السياسات المحفزة على الإنجاب أو المحافظة على المعدلات الحالية. وبناء عليه، ليست هناك حاجة إلى الاهتمام بمصطلح الانفجار السكاني، وبدلا من ذلك ينبغي التركيز على المحافظة على مستويات الإنجاب المناسبة، بحيث لا تكون مرتفعة كثيرا أو منخفضة أكثر من اللازم، مع الحرص على تنمية الإنسان، ليكون إضافة نوعية لمجتمعه. وأخيرا، فإن الترويج العالمي للأسر الصغيرة أو حتى العزوف عن الزواج أو غيرها، كلها أمور تثير قلق الكثيرين.
إنشرها