Author

صدمة الأسعار والوقود في أوروبا وتغيير أسلوب الحياة

|
أستاذ جامعي ـ السويد
كانت الحياة تبدو هانئة، والناس في بحبوحة وطمأنينة على مستقبلها ومستقبل أولادها، حتى نشبت الحرب في أوروبا في شباط (فبراير) الماضي وقلبت كثيرا من الأمور رأسا على عقب.
بعد مضي أكثر من 100 يوم على نشوبها، صار تأثيرها محسوسا خارج نطاق الجغرافيا التي تدور رحى الحرب فيها. أكثر من خمسة ملايين شخص غادروا أوكرانيا هربا من الحرب متجهين صوب الدول الغربية.
كانت الصحافة الغربية في السابق تركز على المهاجرين الأجانب خاصة القادمين من دول في الشرق الأوسط. وكانت موجات الهجرة السابقة، وعلى الخصوص من سورية، قد أثارت شجونا، ما حدا بأغلب الدول الأوروبية غلق حدودها في وجه القادمين الجدد.
ليس هذا فقط، بل سعت ولا تزال بعض الدول ذات التوجه اليميني الذي يميل صوب التطرف أحيانا إلى التضييق على اللاجئين من الشرق الأوسط والعمل بجدية على إعادتهم إلى أوطانهم التي قدموا منها أو إلى طرف ثالث ضمن اتفاقيات ثنائية.
رغم أن موجة المهاجرين من أوكرانيا هي أكبر موجة هجرة تشهدها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، فإنها لم تحدث الجلبة التي عادة ترافق قدوم مهاجرين من الشرق الأوسط مثلا. على العكس، جرى قبولهم واستيعابهم مع مرافقة خطاب حميد لوجودهم عكس الانتقادات اللاذعة التي كانت ترافق المهاجرين من دول غير أوروبية.
ولكن بعد أن تيقن الناس والحكومات أن الحرب قد تستمر أشهرا أخرى، والبعض يتوقع أعواما أخرى، وقع الكل تقريبا تحت صدمة كبيرة ثلاثية الأبعاد: صدمة الأسعار وصدمة الطاقة وصدمة اللاجئين الأوكرانيين.
قدمنا بعض المعلومات عن اللاجئين الأوكرانيين الذين هربوا من بلادهم واتخذوا الدول الأوروبية الغربية ملاذا، إلا أن هناك خشية من أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى موجة نزوح أخرى كبيرة مع اشتداد المعارك على مشارف مدن كبيرة ووجود نحو ستة ملايين مهاجر داخل أوكرانيا ذاتها عدا الملايين التي غادرتها.
والصدمات الثلاث صارت الناس تحسها وتحاول التعايش معها ولو أحيانا بصعوبة بالغة. بالطبع هذا لا يعني أن الاقتصادات الغربية لن تتحمل وزر وتبعات الحرب والحصار الذي تفرضه على روسيا الذي يظهر أنه سيف ذو حدين، حد يخترق جسد الاقتصاد الروسي، والحد الآخر يرتد على اقتصاد الدول الغربية ذاتها.
تتباين توقعات الباحثين والمراكز التي تعنى بشؤون الاقتصاد ومساراته حول من سيصرخ أو يئن أولا، إلا أن التوقعات تشير إلى انكماش اقتصادي سيضرب ليس روسيا فحسب بل الدول الأوروبية التي تفرض حصارا عليها أيضا.
ولا تخفي الدول الغربية صدمتها الكبيرة من ارتفاع أسعار الطاقة والتحولات والمعادلات الجديدة المؤثرة في سلاسل التوريد ومسالك التجارة. وهي تحاول جاهدة التعويض عن نقصان واردات الطاقة من روسيا، فإنها لم تفلح حتى الآن في كبح المسار التصاعدي للأسعار، حيث إن لتر الوقود لبعض المشتقات في محطات التعبئة في طريقه لملامسة ثلاثة دولارات، وهذا سعر يصعب تحمله والتعايش معه لفترة طويلة.
أسعار المواد الغذائية التي منشؤها روسيا أو أوكرانيا تشهد طفرات كبيرة، فمثلا وصل سعر لتر زيت الطعام إلى نحو خمسة دولارات بينما كان يباع قبل الحرب بدولار واحد. ولم تستثن طفرة الأسعار المواد الغذائية المنتجة محليا في الغرب. مثلا، الدول الغربية كانت مكتفية ذاتيا بإنتاج الحليب ومشتقاته، إلا أن هذه المواد شهدت ارتفاعا ملحوظا أيضا، سببه صدمة أسعار الوقود. وإن كانت فواتير الكهرباء والغاز قد شهدت بعض الاستقرار في الشهرين الأخيرين، فإن مرد ذلك ارتفاع درجات الحرارة حيث لم تعد الحاجة إلى التدفئة مع قدوم فصل الصيف. لقد أحدثت فواتير الكهرباء صدمة كبيرة لدى أغلب الناس في الشتاء الفائت ووصلت معدلات من الصعوبة تحملها.
ماذا سيكون الوضع عليه في الشتاء المقبل مع استمرار الحرب في أوكرانيا والحصار الصارم على روسيا؟ منذ الآن، شرعت الحكومات في تقديم نصائح لتغير أسلوب الحياة ومنها عدم تدفئة كل البيت والاكتفاء بتدفئة غرفة واحدة، أو تقليل معدل درجة الحرارة داخل المنزل من 22 إلى 20 درجة مئوية والتخلي عن عادة تنوير كل المنزل وما حواليه في ليالي الشتاء الطويلة.
إنشرها