تقارير و تحليلات

الاقتصاد التشاركي أرضية خصبة للنمو رغم افتقار الأمان .. 1.5 تريليون دولار بحلول 2024

الاقتصاد التشاركي أرضية خصبة للنمو رغم افتقار الأمان .. 1.5 تريليون دولار بحلول 2024

قد لا يكون الأمر في حاجة إلى كثير من التفكير إذا سألك سائل، ما أكثر الأماكن التي لا يرغب السائحون في زيارتها الآن؟ ربما تكون الإجابة البديهية أوكرانيا، فالبلد صارت منذ شهور ساحة حرب أكلت الأخضر واليابس ودمرتها تدميرا.
مع هذا فإن الشهر الأول من التدخل الروسي في أوكرانيا، شهد ازدهارا في حجوزات منصة "إير بي آند بي" في أوكرانيا، فعديد من المواطنين في الدول الداعمة لكييف استخدموا منصة "إير بي آند بي" لتوجيه الأموال إلى أوكرانيا عن طريق القيام بحجوزات ودفع ثمنها دون السفر إلى هناك، وكانت النتيجة أنه تم توجيه أكثر من 15 مليون دولار من التبرعات إلى كييف.
تفاعلت شركة إير بي آند بي مع تلك الرغبة في مساعدة الحكومة الأوكرانية، فتنازلت عن عمولتها البالغة 20 في المائة التي تفرضها على المعاملات التي تمر عبر منصتها على الإنترنت، مع هذا فإن تلك المساعدة واكبها كثير من المشكلات، إذ أنشأ عديد من المحتالين حسابات مزيفة لجمع التبرعات من المتبرعين من أصحاب النيات الحسنة.
تلك القصة توضح كل إمكانات وقيود الاقتصاد التشاركي.
وقد لا يبدو الاسم مألوفا لكثير من القراء، فهو نادر الاستخدام في وسائل الإعلام، ولا يذكر كثيرا، وكثير ما يحيط بالمصطلح غموض ومخاطر في مجال التطبيق، وما حدث في أوكرانيا نموذج حي لذلك. فما الاقتصاد التشاركي؟
من جانبه، قال لـ"الاقتصادية" الدكتور ام.دي. سكوت أستاذ مبادئ علم الاقتصاد في جامعة أكسفورد، إن "قاموس أكسفورد يعرف الاقتصاد التشاركي بأنه نظام اقتصادي يتم فيه تقسيم الأصول أو الخدمات بين الأفراد، إما مجانا أو مقابل رسوم عادة عن طريق الإنترنت، ويتم الترتيب لهذا النوع من المعاملات من خلال شركة أو مؤسسة عبر الإنترنت".
ويستدرك قائلا "يمكن اعتباره نموذجا اقتصاديا يتضمن معاملات قصيرة الأجل من نظير إلى نظير، لمشاركة استخدام الأصول والخدمات أو لتسهيل التعاون، وفي الأغلب ما يتضمن نوعا من المنصات عبر الإنترنت لربط المشترين والبائعين".
بدوره، يعد الخبير الاقتصادي الدكتور ام.دي. سكوت، أن هذا النوع من النماذج الاقتصادية يسمح للأفراد والجماعات بجني الأموال من الأصول غير المستخدمة، إذ يمكن تأجير الأصول الخاملة مثل السيارات المتوقفة والمنازل الخالية، مما يعود على جميع أطراف الصفقة بالربح.
وأشار إلى أن استخدام الأصول الخاملة من قبل مجموعة من الأشخاص ظاهرة اقتصادية تعود لآلاف الأعوام، لكن ظهور الإنترنت واستخدام البيانات الضخمة سهل الأمر على مالكي تلك الأصول من جانب، وأولئك الساعين لاستخدامها للعثور على بعضهم بعضا من جانب آخر.
وفي الحقيقة فإن أصحاب الرؤية المثالية في الاقتصاد تخيلوا أن ظهور الإنترنت سيربط بين البائعين والمشترين دون الحاجة إلى الوسطاء وعمولاتهم، لكن هذا لم يحدث، بدلا من ذلك فإن منصات مثل "إيباي" وما إلى ذلك، باتت تعمل كالمؤسسات الرأسمالية الكبيرة، وتضغط على المنافسين، وتستغل الأيدي العاملة، وتجعل مؤسسيها ومديرها الأغنى في العالم.
لكن ما لا يمكن إنكاره أن الاقتصاد التشاركي ازداد حجمه بشكل كبير بسبب التقدم التكنولوجي، وتحديدا نتيجة التطور المتواصل في كل من الشبكة العنكبوتية والأجهزة الذكية.
من ناحيتها، ذكرت لـ"الاقتصادية" الباحثة دايان بلاكسميث الخبيرة في مجال التسويق الإلكتروني، أن "شركات الاقتصاد التشاركي الناشئة توسعت على خلفية التغييرات الجذرية في عادات المستهلكين، ويمكننا القول إن ذلك سيجعل نموها مستداما، فبعض اللاعبين في الاقتصاد التشاركي نمت شركاتهم لتصبح شركات عالمية في بضعة أعوام".
وأوضحت أن مؤسسة بي دبليو سي البحثية قدرت عائدات الشركات العاملة في هذا النمط الاقتصادي بأنها ستصل إلى 335 مليار دولار 2025، بزيادة 22 مرة مقارنة بـ 2013 حيث قدرت حينها بـ15 مليار دولار فقط.
وبحسب بلاكسميث، تشير دراسات أخرى إلى أن القيمة السوقية للاقتصاد التشاركي على المستوى العالمي ستصل إلى 1.5 تريليون دولار بحلول 2024 مقابل 373.7 مليار دولار في 2019.
وبذلك تجد الضخامة المتنامية للاقتصاد التشاركي وسرعة ازدهاره أرضية خصبة في مجموعة من الفوائد التي يحققها اقتصاديا، وربما أبرزها في الوقت الراهن أنه يعزز رفاهية المشاركين فيه من خلال إنشاء معاملات جديدة، تستند إلى الاستخدام الفعال للأصول غير المستخدمة بشكل كاف.
وكل هذا أصبح ممكنا عن طريق خفض تكاليف المعاملات باستخدام تكنولوجيا الاتصالات، حيث يمكن للمستهلكين الحصول على أسعار منخفضة وخيارات متنوعة، وفي الوقت ذاته يحصل الموردون على دخل إضافي، كما أنه يعزز الوضع الاقتصادي للطبقات ذات الدخل المنخفض المشاركة فيه.
مع هذا يشير برناندوا كريس المحلل المالي في هيئة الضرائب البريطانية إلى جوانب إيجابية أخرى في الاقتصاد التشاركي في الأغلب ما يتغاضى عنها عند تقييم الفوائد الاقتصادية له.
وقال كريس لـ"الاقتصادية" إن "الاقتصاد التشاركي يعني أن المعاملات التي تتم عبره ذات طابع محلي بالأساس، فأنت تستأجر شقة في منطقة شرق لندن على سبيل المثال عن طريق موقع مثل إير بي آند بي، وهذا يعني أنك عند الإقامة في تلك المنطقة ستقوم بإنفاق مالي فيها، لهذا يمكن القول إن الاقتصاد التشاركي يلعب دورا مهما في تحفيز الاقتصادات المحلية، ويساعد الدولة على زيادة مواردها الضريبية عبر إدخال عديد من الأصول غير المستغلة في عجلة الإنتاج وزيادة استخدامها".
وأضاف كريس أن "هذا يعني أيضا تخصيص أكثر كفاءة للموارد، وزيادة القدرة التنافسية في الاقتصاد الوطني وبين الاقتصاد الوطني والاقتصادات الأخرى".
مع هذا فإن الأمر لا يخلو من جوانب انتقاد للاقتصاد التشاركي على الرغم من نموه المتواصل، وربما يظل عدم اليقين التنظيمي نقطة ضعف أساسية في هذا النموذج الاقتصادي، فعادة ما يكون المنظمون غير قادرين على مواكبة السرعة التي يتطور بها هذا النموذج من الأعمال، ما يؤدي إلى تأخر إصدار اللوائح المنظمة للأنشطة المختلفة وما يسفر عن ذلك من استغلال المستهلك.
وعلى الرغم من الفوائد الضريبية التي يمكن أن تحققها الدول من انتشار هذا النموذج الاقتصادي، فإن برناندوا كريس يشير أيضا إلى إمكانية حدوث ما يصفه بالخروقات الضريبية، ومن ثم لا تتناسب الإيرادات الضريبية المحققة من القبول بهذا النموذج مع توقعات المخطط الضريبي
وأوضح كريس لـ"الاقتصادية" "نموذج الاقتصاد التشاركي يعتمد في جزء كبير منه على منصات عابرة للحدود، التي تقع خارج سلطة الدولة المضيفة، وهذا يجعل من الصعب على السلطات الضريبية في الدول المستخدمة تحديد دافعي الضرائب وتحصيل الضريبة".
لكن ما حدث في أوكرانيا يشير إلى نقطة ضعف أخرى، إذ تعمل منصات الاقتصاد التشاركي على مبدأ الثقة بين المستخدمين ومقدمي الخدمة، لكن من الواضح أن هذا النموذج الاقتصادي لا يزال يفتقر إلى الأمان الكافي، حيث أصبح الاحتيال وانعدام الخصوصية منتشرا في كثير من منصته الإلكترونية، ما يتطلب عملا جماعيا بين أطراف متعددة لتزويد الاقتصاد التشاركي بدرجة أعلى من التنظيم تحول دون تعرض الأطراف المختلفة لعمليات نصب واحتيال.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات