Author

عائق أم حافز؟

|

يبدو واضحا أن الصين تعيش تحديا كبيرا في المواجهة التي يمكن وصفها بـ"الجديدة" لجائحة كورونا، تحديدا تفشي المتحور أوميكرون الذي أربك المشهد السياسي والاقتصادي العام في البلاد. والحكومة المركزية في بكين تحارب على عدة جبهات، أولها تقييد ما أمكن لهذا المتحور وبسرعة مأمولة، إضافة إلى المحافظة على وتيرة الانتعاش الاقتصادي بعد فترة الجائحة الكبرى، وصيانة المكتسبات التي حققتها البلاد على صعيد محاربة كورونا بشكل عام، التي سجلت قفزات نوعية في العامين الماضيين مقارنة بأغلبية الدول.
الصين كانت من الدول الأكثر سرعة في احتواء الوباء، معتمدة على استراتيجية اصطلح على تسميتها بـ"صفر كوفيد"، لكن الذي حدث، أنه في الوقت الذي يخرج فيه العالم من براثن كورونا، ضربت الموجة الجديدة الصين في شنغهاي التي تمثل في النهاية المركز الرئيس لنشاط البلاد الاقتصادي التجاري.
وتهدد التكلفة المتزايدة لسياسة "صفر كوفيد" التي تتبناها الصين لمحاربة جائحة كورونا بعرقلة الهدف المحدد لنمو الناتج المحلي الإجمالي، فيما تشهد سلاسل الإمداد أزمة مستمرة وتواجه الموانئ تأخيرات في الشحن والتفريغ مع بقاء مدينة شنغهاي مغلقة. وكان النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم يتباطأ في النصف الأخير من العام الماضي، مع تراجع سوق العقارات والإجراءات التنظيمية، ما دفع المسؤولين إلى تحديد أدنى هدف سنوي للناتج المحلي لعام 2022 منذ عقود.
والمقلق، أن القيود المشددة الجديدة التي فرضتها السلطات لاحتواء هذه الموجة، تحدث حاليا تململا متصاعدا داخل البلاد. وللحفاظ على سياسة "صفر كوفيد"، فرضت بكين حجرا صحيا في المدينة المصابة، شمل تلقائيا اتصالها مع بقية المدن الأخرى، وقلصت الرحلات الجوية الدولية، وكذلك الداخلية، حتى إنها تشددت في إصدار جوازات سفر جديدة لمواطنيها، فضلا عن الغرامات والعقوبات القوية التي فرضتها على أي شخص يتجاوز هذه القيود، وغيرها من اللوائح المعمول بها. كل هذا يجري على الرغم من أن معدل الوفيات من أوميكرون يبقى منخفضا جدا مقارنة بالعدد الإجمالي للسكان الذي يبلغ 1.4 مليار نسمة. ولأن الحكومة لا تزال تعتقد أن "صفر كوفيد" تبقى الوسيلة الأمثل لمواجهة التطورات، فلم تبد أي تساهل في مسألة القيود المشار إليها.
ومن هنا، يرى البعض أن هذه السياسة تمثل بالفعل عائقا سياسيا بالنسبة إلى الحكومة، إلى درجة أن نسي الصينيون نجاحات حكومتهم في مواجهة كورونا منذ تفشيه في عام 2020، وبدأوا يتساءلون عن مستوى نجاعتها، وذلك في الوقت الذي يحضر فيه الرئيس الصيني شي جين بينج نفسه لولاية ثالثة على رأس الحزب الشيوعي الحاكم في البلاد. التكلفة المتسارعة لـ"صفر كوفيد" تتزايد، ما يهدد بالطبع المسار للوصول إلى مستوى النمو المستهدف الذي يبلغ 5.5 في المائة، وهو الأدنى منذ عقود، ما دفع المسؤولين الصينيين إلى الحديث عن خفضه لهذا العام. وتشير التوقعات إلى أن نسبة النمو ستكون أقل من 5 في المائة، في حين تدور المؤشرات الأولية على ألا يتجاوز هذا النمو 4.3 في المائة في النصف الأول من العام الجاري.
ومن الأسباب التي تهدد النمو في الصين، تباطؤ النمو الاستهلاكي في المدن الرئيسة، مع تعليق الإنتاج في مناطق متأثرة بالموجة الجديدة من أوميكرون. لكن الحكومة تتحرك أيضا للخروج من التباطؤ الاقتصادي العام الذي سجل منذ شباط (فبراير) الماضي، لكن بحذر شديد. فهي تريد النمو المرتفع لكنها لا تزال متمسكة بسياسة "صفر كوفيد"، ما يجعل حركتها محدودة بشكل أو آخر. فقد أقدمت في شنغهاي على خفض سعر الفائدة على قرض مدته خمسة أعوام، لأنها تسعى إلى دعم مبيعات الإسكان التي بلغت أدنى مستوى لها منذ أعوام عديدة، ومع أن مؤشر شنغهاي المركب حقق بعض الارتفاع في الأيام القليلة الماضية، إلا أن هذا الارتفاع يبقى آنيا، وفق بعض الخبراء.
فلا بد للحكومة الصينية أن تعدل بعض الشيء من سياستها المتعلقة بـ"صفر كوفيد"، لتضمن نموا اقتصاديا لن يصل إلى مستويات النمو المرتفعة التي سبقت كورونا، لكنه سيكون بالتأكيد الأعلى بين الدول الناشئة قاطبة.

إنشرها