Author

كيف سيؤثر رفع الفائدة في أسعار العقار محليا؟ «2 من 2»

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
استكمالا لفهم التأثير المحتمل لرفع معدل الفائدة محليا، والمتوقع استمراره حتى العام المقبل، في نشاط السوق العقارية ومستويات الأسعار المتضخمة لمختلف أصولها، من خلال الوزن المهم الذي أصبحت تشكله القروض الممنوحة للأفراد منذ 2019 حتى تاريخه، ووصول إجمالي حجمها إلى 467.8 مليار ريال بنهاية 2021، أي: ما نسبته 15.0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي "23.4 في المائة من الناتج غير النفطي"، وارتفاع مساهمة تلك القروض في إجمالي قيمة الصفقات العقارية إلى نحو 74.0 في المائة بنهاية 2021، ما يؤكد بدوره ما أصبحت تمثله تلك التدفقات المقبلة من قناة الائتمان العقاري البنكي من ثقل كبير في ميزان سيولة السوق العقارية.
بناء عليه تشير تلك التغيرات الكبيرة التي طرأت على منظومة العوامل المؤثرة في نشاط السوق العقارية محليا، على خلاف ما كانت عليه طوال المراحل الزمنية السابقة قبل 2019، وصعود دور وتأثير الائتمان العقاري البنكي بتلك الصورة المتسارعة خلال عدة أعوام قليلة، حاملا في طياته مزيدا من الارتباط بين السوق العقارية والقطاع التمويلي، وبما يعني أن أي تطورات أو إجراءات قد تتم في القطاع التمويلي، فسرعان ما ستنعكس آثارها إيجابا أو سلبا على نشاط السوق العقارية، ومستويات الأسعار السوقية التي يتم نقل ملكية مختلف الأصول وفقا لها.
وكما سبقت الإشارة إليه سابقا سيؤدي كل ارتفاع في تكلفة التمويل "معدل الفائدة"، إلى انخفاض في حجم القروض العقارية التي سيتحصل عليها المشترون، والانخفاض من ثم في حجم التدفقات المتجهة إلى حسابات البائعين، وهو المسار المختلف تماما عما حدث طوال العامين الماضيين اللذين شهدا أغلب فتراتهما انخفاض معدل الفائدة بين البنوك المحلية SIBOR لفترة ثلاثة أشهر نحو 19 شهرا متتاليا إلى ما دون 1.0 في المائة "تموز (يوليو) 2020 – كانون الثاني (يناير) 2022"، تدفق خلال فترتها أكثر من 255.4 مليار ريال، وأسهمت بدرجة كبيرة في ارتفاع المتوسط العام لأسعار المساكن بالأرقام الحقيقية بنحو 29.0 في المائة خلال تلك الفترة الوجيزة.
ومع توقعات أن يخضع المشهد التمويلي العقاري لمسار معاكس لما كان عليه خلال الفترة القريبة الماضية، وفي ظل تسجيله معدلات تباطؤ سنوية سبقت حتى بدء قرارات رفع معدل الفائدة، كان قد بدأها التمويل العقاري للأفراد منذ منتصف العام الماضي واستمرت حتى تاريخه، إضافة إلى ما سيأتي ذكره من عوامل أخرى، يتوقع أن تسهم مجتمعة في إحداث مزيد من الضغوط إلى أداء السوق العقارية والأسعار المتضخمة التي استقرت منذ مطلع العام الجاري عند مستويات سعرية لم تستطع تجاوزها طوال الخمسة أشهر الماضية من العام الجاري، وهو ما سينعكس بدوره على توقعات جانب العرض "البائعين"، وستتأكد حقيقته أمامهم شهرا بعد شهر خلال الفترة المقبلة ستكون مواعيد قرارات الرفع المتتالي لمعدل الفائدة أشبه بالفواصل الزمنية لكل مرحلة، وتمثل انتقالا مرحليا لأداء السوق العقارية، تتضمن إعادة لتقييم المراكز الاستثمارية والأسعار، وبناء عليه سيتم اتخاذ أغلب قرارات البيع والشراء، والأخذ بعين الاعتبار الآثار التي ستحملها التطورات والعوامل الأخرى المرتقبة خلال الفترة المقبلة، من أهمها ما يتمثل في: (1) بدء تنفيذ المرحلة الثانية من نظام رسوم الأراضي في المدن الرئيسة حتى نهاية العام الجاري التي ستتركز على الأراضي المطورة في تلك المدن، وسيتم تنفيذها بجانب المرحلة الأولى من النظام التي تم أو يوشك تنفيذها في 17 مدينة أخرى بخلاف المدن الأربع "الرياض، جدة، الدمام، مكة المكرمة". (2) التراجع القائم في قوة الطلب نتيجة التناقص الكبير والمستمر الذي شهدته قوائم انتظار تملك السكن طوال الأعوام الثلاثة الأخيرة التي شهدت توقيع 630.3 ألف عقد تمويل شراء حتى نهاية آذار (مارس) الماضي، وليرتفع إجمالي تلك العقود التمويلية إلى نحو 700 ألف عقد تمويل منذ بدء برنامج سكني حتى نهاية الفترة نفسها. في المقابل، شهد نشاط التطوير العقاري تسارعا طوال الفترة نفسها وبالتزامن مع تراجع قوة الطلب يتوقع تسارع وزيادة ضخ مزيد من المنتجات الإسكانية، ودخول عديد من شركات التطوير العقاري العملاقة بقيادة "روشن" العائدة ملكيتها لصندوق الاستثمارات العامة التي ستسهم بصورة ملموسة في زيادة المعروض من المنتجات الإسكانية المتنوعة والجيدة، مقارنة بما عانته سوق الإسكان من منتجات إسكانية رديئة طوال الأعوام الماضية.
(3) بدء تنفيذ عديد من الإجراءات التنظيمية المتعلقة بالأراضي داخل المدن، لعل من أهمها بدء تسوير تلك الأراضي وفرض غرامات مكلفة على المخالفين، ستدفع بالتزامن مع تنفيذ المراحل التالية من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وبمواجهة تباطؤ معدلات الطلب فترة بعد فترة، إضافة إلى التأثيرات الآتية من التغيرات القائمة في القطاع التمويلي، ما سيسهم بدوره كما هو مأمول في تسارع نشاطات التشييد والتطوير لتلك الأراضي، وتجنب تحمل تلك الأعباء المالية، وكل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى زيادة المعروض من الأراضي وضخ مزيد منها في مجال الاستخدام والانتفاع، وإخراجها من دائرة الاكتناز والمضاربات العقارية.
ختاما: بناء على ما سبق ذكره أعلاه، يبدو المشهد العام للسوق العقارية خلال الفترة المقبلة مشجعا أكثر، خاصة على مستوى التصحيح المأمول للأسعار المتضخمة، وأن تعود إلى مستويات عادلة تتواءم مع القدرة الشرائية للأفراد والأسر، كما يؤمل أن يتحرك البنك المركزي السعودي نحو اتخاذه مزيدا من الضوابط المتعلقة بخفض نسب الاستقطاع الشهرية لسداد أقساط القروض العقارية بمنهجية متدرجة، تبدأ من خفضها بداية إلى ما دون 40 في المائة من الأجر الشهري، وصولا بها إلى ما دون 25 في المائة إلى 30 في المائة في نهاية تطبيق تلك الضوابط، لأهميتها أولا على مستوى ضمان وحماية الاستقرار المعيشي للأفراد، وثانيا للمساهمة في رفع قدرة الأفراد ادخاريا واستهلاكيا، وما يمثله ذلك من أهمية قصوى لبيئة الاستثمار المحلية ولقطاع الأعمال في المملكة.
إنشرها