Author

الحمائية الغذائية .. المصالح والتداعيات

|

لا توجد هناك حلول ناجعة سريعة للأزمة المتفاقمة في ميدان السلع الغذائية، بسبب استمرار الحرب الدائرة حاليا بين روسيا وأوكرانيا. فهذان البلدان يصدران أكثر من 35 في المائة من الحبوب وزيوت الطعام والسماد الزراعي إلى العالم، وهناك دول تعتمد على موسكو وكييف بالكامل في احتياجاتها من هذه السلع الحيوية. والنقص الراهن لها، رفع أسعارها بالطبع، لتزداد الضغوط في ساحة التضخم الذي وصل إلى مستويات عالية تاريخية، سواء في البلدان المتقدمة أو الناشئة أو تلك التي توصف بالدول الأشد فقرا. ماذا يحدث الآن؟ ارتفعت "الحمائية الغذائية" خوفا من استمرار تفاقم الإمدادات في الأشهر المقبلة، فبعض الحكومات حظرت بالفعل تصدير السلع الغذائية الأساسية، لتفادي النقص المحتمل، ما زاد من ارتفاع الأسعار مباشرة.
بعض البلدان المتقدمة اعتمدت نظام "الكوبونات الغذائية" لمساعدة الأسر الفقيرة، ما يذكر بالفعل بفترة الحرب العالمية الثانية. فكيف الحال بالدول الفقيرة، التي تواجه توسعا متواصلا لدائرة الجوع فيها؟ وفي تقرير جديد للبنك الدولي، تمت الإشارة إلى إمكانية حدوث اضطرابات واسعة في عدد من البلدان بسبب النقص في المواد الغذائية الرئيسة، إضافة إلى ارتفاع أسعارها بصورة غير محتملة. فالبلدان التي تعتمد على الأسواق الخارجية أصيبت فورا بأزمتي النقص وارتفاع الأسعار. حتى إن الولايات المتحدة المكتفية ذاتيا على صعيد الغذاء، تعاني اليوم ارتفاعا متسارعا للأسعار، ما وسع نطاق الموجة التضخمية في البلاد، التي بلغت أعلى مستوى لها منذ أربعة عقود. ولكن الخوف الأكبر حاليا على الساحة الدولية، يتعلق بمسار الحمائية المتسارع، ما دفع البنك الدولي إلى اعتبار ارتفاع الأسعار الراهن مصطنعا.
وهو كذلك بالفعل، لكنه يعكس حقيقة واضحة، وهي أن النقص في أي سلع يرفع تلقائيا أسعارها. فكيف الحال مع توقف أو اضطراب إنتاج المواد الغذائية الأساسية في أوكرانيا وروسيا؟ حتى إن البلدان التي تعتمد على الأسمدة من هذين البلدين تعاني تراجعا في الإنتاج الزراعي لديها منذ أسابيع. والمشكلة على صعيد المواد الغذائية الأساسية "الحبوب والبقول وزيوت الطعام"، لم تكن ناجمة عن الحرب الدائرة في أوروبا، بل ظهرت بصورة مخيفة في أعقاب تفشي وباء كورونا، وتعمقت بعد الحرب المشار إليها. ففي عام الجائحة (2020) والعام الماضي، ارتفعت الأسعار بشكل كبير، عبر ظهور "الحمائية الغذائية"، التي شملت 23 بلدا دفعة واحدة. وفي الواقع أتت الحرب في أوكرانيا لتكمل فداحة المشهد الغذائي العالمي.
والمنتجات الغذائية التي تم حظرها من قبل بعض الحكومات، بلغت المستوى الذي وصلت إليه هذه المنتجات خلال أزمة الغذاء والطاقة التي ضربت الساحة العالمية في عامي 2007 و2008. ومن هنا، فإن استمرار الحرب في أوروبا، سيزيد من موجة الحمائية المخيفة، التي تحدث نقصا في الإمدادات، وزيادة زخم الموجة التضخمية معه. فحتى بلد كإندونيسيا أوقف تصدير زيت النخيل، الذي يستخدم في كل شيء تقريبا من الطعام إلى مستحضرات التجميل، رغم أن إنتاج هذا البلد من الزيت يعد كبيرا وإمكاناتها عالية فيه. والخوف المقبل يأتي من الهند التي تعد واحدة من البلدان الأكثر تصديرا للقمح، حيث تفكر الحكومة فيها بوقف التصدير حتى إشعار آخر.
ستتعمق أزمة الغذاء العالمي، ولا سيما الحبوب والبقول وزيوت الطعام، إضافة إلى الأسمدة، وستواجه الحكومات حول العالم مزيدا من الضغوط التضخمية الجديدة، فضلا عن مخاطر نشوب اضطرابات في بعض الدول التي تعاني أصلا مشكلات اقتصادية ومعيشية واجتماعية كبيرة. فالحروب "بصرف النظر عن ساحاتها" تربك المشهد العالمي العام.

إنشرها