لا تكن وسيطا
بعض الخلافات في الحياة معظمها تحدث بسبب التراكمات على مر الأعوام وتجاهل معالجتها في وقتها فتتعقد تفاصيلها، ثم يحصل الجفاء والخصومة التي يعقبهما الكراهية والحقد وربما الانتقام. البعض يلجأ إلى إدخال الوسطاء لحل هذه الخلافات بعد أن تكون قد استفحلت وتمكنت جذورها من الامتداد بعيدا في النفوس، ما يجعلها تحتاج إلى وسيط متمكن يمتلك مهارات خاصة للنجاح في مهمته. بعض الوسطاء ينطبق عليهم المثل الذي يقول "بغى يكحلها فعماها"، وتدخله يجلب تعقيدات أكبر من التعقيدات الموجودة أصلا، لذلك لا بد من وجود صفة رئيسة في الوسيط، وهي الحكمة كما قالت العرب، "أرسل حكيما ولا توصه". الوسيط الحكيم لن يركز على مفهوم الانتصار والخسارة ولن يهمه إظهار أي الطرفين مخطئا بقدر ما يهمه تقريب وجهات النظر ومعالجة تفاصيل الخلاف والقضاء على جذوره والإنصات لكل الآراء المختلفة دون أن ينحاز مع طرف ضد الآخر، ثم طرح الحلول المتاحة ووضع خطة علاجية يلتزم بها الأطراف للقضاء أو محاولة التقليل من آثار الخلاف.
البعض يندفع في أداء دور الوسيط إما برغبة داخلية للإصلاح وإما بطلب خارجي من أحد أطراف الخلاف، ولأن قلبه أبيض ونيته صافية فهو يعتقد أن مهمته ستنجح بامتياز، لكن بمجرد دخوله في "معمعة" الخلاف سيجد نفسه لا إراديا يتعاطف وينحاز ويطبطب ويندفع عاطفيا في أحكامه ما سيجلب له مشكلات هو في غنى عنها وسيتهمه الطرف الآخر بعدم الحيادية، وربما أصبح هو في حاجة إلى وسيط آخر ليصلح ما أفسده. تذكرت قصة تلك الزوجة ومشكلاتها التي لا تنتهي مع زوجها بسبب كثرة سفرياته وشكوكها حول مصداقيته بأن ذلك من أجل عمله، وفي آخر خلاف بينهما أصرت على طلب الطلاق لعدم قدرتها على تحمل تربية أطفالهما الأربعة وحدها في ظل عدم استقرار حياتها معه، وتبرعا منه تدخل شقيقها الأكبر كوسيط يرغب في الإصلاح حتى لا يتشتت الأبناء، فجمعهما معا في منزله وحاول الإنصات لهما وبحكم كونه عصبيا والزوج عصبيا كانت الوساطة أشبه بحلبة مصارعة بينهما. عاطفته الجياشة نحو شقيقته ورؤيته لدموعها وتصديقه لشكوكها منعته عن رؤية الموضوع من جميع جوانبه وعدم تصديق زوجها، وحين احتدم النقاش بين الشقيق والزوج ولم يعد التحكم بالانفعالات واردا تحولت الوساطة إلى مشاجرة تدخلت فيها الشرطة وتم الطلاق في تلك الليلة.
وخزة
"الإصلاح والوساطة يحتاجان إلى حكمة لا إلى حسن نيات فقط، لذلك بعض الذين يتدخلون بلا حكمة يزيدون الطين بلة"