Author

الإغلاقات ووقف التصدير وأثره في العولمة

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
العولمة التجارية بقيادة منظمة التجارة العالمية كان لها الأثر الكبير في الأسواق والتجارة حول العالم، سواء في حركة النقل لرؤوس الأموال أو السلع والخدمات، ما جعل أغلب دول العالم إلا ما ندر تنضم لهذه المنظمة لما يحقق لها من منافع متعددة، وقد استفادت بالطبع منها الدول الصناعية، كما استفادت منها الدول الأخرى التي لديها ميزات نسبية مثل القوى العاملة والمواد الأولية التي تدخل في الصناعة والغذاء، أو الدول ذات المواقع الاستراتيجية وأي ميزة نسبية بما في ذلك الإصلاحات الاقتصادية وكفاءة القوى العاملة التي بدورها تجذب الاستثمارات من دول العالم، كما استفادت من ذلك الشركات الكبرى من خلال بناء مراكز تجارية وصناعية قد تفوق في حجمها مراكزها الأساسية، ما جعل المراقب لتلك الشركات لا يعرف من أين بدأت تلك الشركات بسبب قوة انتشارها وحضورها حول العالم، قد يكون لذلك الأثر السلبي في بعض الصناعات المحلية على المدى القصير، إلا أنه في الوقت نفسه عزز تنافسية وحضور بعض الشركات المحلية في دول كثيرة حول العالم وساعدها على الوصول إلى أسواق كان صعبا يوما من الأيام الوصول إليها.
مع أزمة كوفيد - 19 كان من المفهوم أن هناك مجموعة من الأسباب لأن يتخذ بعض الدول خيارات الإغلاق ومنع التصدير لأسباب، الجزء الكبير منها صحية للحد من انتشار الوباء وتوفير الأمن الغذائي للمجتمع، ومع انتشار اللقاحات خفف ذلك كثيرا من أثر الوباء بحمد الله وأصبحت الإصابات أشبه بإصابات الإنفلونزا الموسمية، وهنا بدأ فتح الأسواق وتحسن الاقتصاد لكثير من دول العالم، إضافة إلى انخفاض البطالة والنمو الاقتصادي لكثير من دول العالم كل ذلك كان له أثره الإيجابي باستثناء حالة التضخم التي نتجت عن ضخ السيولة الهائل والطلب الكبير على السلع والخدمات بعد الإغلاقات.
ولا شك أن التضخم الكبير، الذي يشهده العالم بما في ذلك الدول المتقدمة اقتصاديا، كان أثرا للتحول الكبير الذي حصل في العالم بعد أزمة كوفيد - 19، لكن الغريب وجود بعض الاتجاهات من بعض الدول التي اتخذت قرارات زادت من أثر هذه الأزمة ورغم أن هذه القرارات سيادية، لكن أثرها أصبح عالميا، وهنا يأتي التساؤل، هل سيؤدي ذلك إلى إضعاف منظومة التجارة العالمية ويعيد العالم خطوات فيما يتعلق بالتجارة العالمية وعبورها للقارات الذي جعل المتسوق في دول في الشرق يحصل على سلعة من الغرب خلال أيام، وقد يكون في الوقت نفسه يحصل على السلعة المشتري داخل تلك الدولة نفسها.
بعض دول العالم عادت إلى سياسة الإغلاقات، ودول أخرى منعت تصدير بعض السلع، ما نتج عنه ارتفاعات في أسعار بعض السلع بشكل كبير، والأسوأ أن ذلك يؤثر في إنتاج وصناعة بعض السلع، وهنا إن كانت تلك القرارات في نهاية الأمر سيادية، إلا أنه سيؤدي بالتأكيد ببعض الشركات إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه الاستثمار بسبب أن الإغلاقات سيكون لها أثر في سلاسل التوريد، ما يؤدي إلى انخفاض في الإنتاج أو في أسوأ الأحوال توقف في الإنتاج مؤقتا، وهذه الحالة حصلت في أزمة أشباه الموصلات التي لم يكن العالم يدرك خطورة توقف أو انخفاض الإمدادات من أشباه الموصلات، والآن نجد أن العالم بدأ يستثمر فيها في أكثر من منطقة ودولة حول العالم، وهذا يمكن أن يحدث في منتج غير معقد مثل زيت النخيل أو غيره من المنتجات الزراعية وقد يؤثر في دول أخرى كانت تستأثر بحصة الأسد من هذا المنتج خصوصا مع وجود دول مهيأة وتواجه أزمة اقتصادية وهي جاهزة لتدفق الاستثمارات في هذا المجال، كما أن الإغلاقات التي تتم في بعض الدول مخالفة لما هو سائد في دول أخرى حول العالم بما يؤدي إلى إعاقة عمل بعض الشركات، وقد يؤثر في تدفق الاستثمارات لديها والبحث عن حلول أخرى في الفترة المقبلة ولا يستبعد أن يكون لدى بعض الدول سياسة العمل على توفير مدخلات الإنتاج الأساسية من المحتوى المحلي ودعم ذلك، فارتفاع التكلفة أقل أثرا من تعطل الإمدادات وارتفاع تكلفة النقل.
الخلاصة: القرارات التي نشاهدها اليوم بوقف التصدير أو الإغلاقات قد يؤخر أو يؤدي إلى تراجع العولمة التجارية بما يؤثر بصورة واضحة في نشاط وحركة رؤوس الأموال وتدفق الاستثمارات على بعض الدول، كما يؤثر في النشاط الاقتصادي داخل تلك الدول، وارتفاع تكلفة مجموعة من المنتجات وتوقف مؤقت محتمل لبعضها الآخر.
إنشرها