أوامر تنفيذية لتعزيز المنافسة
التلاعب بالمنافسة غالبا لا يمكننا كشفه إلا من خلال آثاره على المستهلكين والأسعار والكميات وشكاوى القطاع الأسري عبر وسائل الإعلام التي تعد المرحلة الأخيرة، أي إنها تخطت كل سياسات حماية المنافسة الفعالة، أو إن تنمية المنافسة لا تزال بطيئة من الهيئات المشرفة على قطاعات الأعمال.
ليس هناك شك أن المنافسة الضعيفة والاحتكارية تؤديان إلى خنق الاقتصاد وتركز الثروات في يد مجموعات اقتصادية مسيطرة، وإضعاف القوة الشرائية للعملة الوطنية، في مقابل أن الأجور العامة في القطاعين العام والخاص تصبح أقل قدرة على إشباع طلبات القطاع العائلي بسبب محدودية مزودي الخدمات والسلع أو نتيجة لممارسات احتكارية منظمة بين عدد محدود من الكيانات بطريقة ضمنية، وفي نهاية المطاف كلها ممارسات تؤدي إلى تراجع مستويات المعيشة العامة حتى إن كان الاقتصاد قويا بصفة عامة. أما على مستوى تشكل الأسواق وتطورها، فإن الشركات المهيمنة تمنع دخول منافسين جدد أو تحرم قطاعات أخرى من النمو، فارتفاع أسعار النقل مثلا يحد من نمو السياحة، والشركات ذات التركز الاقتصادي العالي تقلص من دخول أي شركات ناشئة إلى الأسواق، ولا سيما إذا ما كان المنظم الرسمي لا يملك المرونة الإجرائية لإعلان شح المنافسة أو تطبيق قوانين الاحتكار وإنفاذها على القطاعات الاقتصادية.
أثر الأرباح الضخمة ليس بالضرورة سيؤدي إلى زيادة التنافس على اليد العاملة الوطنية وأمر مقلق اقتصاديا عندما ترتفع الأسعار دون أن ترتفع المنافسة، بل إن بعض الشركات حولت فوائضها المالية إلى قطاعات أخرى ليست لها سمات تنافسية في زيادة التوظيف، وإنما أسهمت مرة أخرى في تضخم الأسعار، ويمكننا الاستشهاد بتصاعد أسعار الأراضي بسبب فوائض الشركات العائلية.
إذا كانت المنافسة الهشة غير جيدة للمستهلكين وللاقتصاد، فإن استراتيجية تعزيز المنافسة والتنافسية الوطنية تتطلب أن نفكر بطريقة واضحة وموضوعية وأكثر شمولية واستقلالية حتى نتخطى كثيرا من التحديات الهيكلية وتضارب المصالح بين مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة سواء على المستوى الحكومي أو الخاص، وأولى تلك الخطوات إعادة تنظيم إنفاذ قوانين المنافسة ومكافحة الاحتكار، ثم إن بطبيعة الحال علينا القيام بواجبات أخرى، مثل إصدار دراسات وتقارير اقتصادية مختصة تكشف لنا عن أسباب ارتفاع الأسعار الحقيقية معززا بالأدلة وفي الوقت ذاته علينا المحافظة على القوة الشرائية للمستهلكين وحمايتهم.
أخيرا: جهود منظمي التجارة والمنافسة وحماية المستهلكين لم تعد كافية، بل نحتاج إلى تقرير منافسة تصدره جهة مستقلة وله أوامر تنفيذية تصدر من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إلى جميع الهيئات المشرفة على الاقتصاد والأعمال لتعزيز المنافسة والتنافسية، ولا سيما فيما يخص السلع المعمرة والأراضي والتجزئة والجملة ومزودي خدمات الاتصالات واللوجستيك والمطاعم والفنادق والنقل والطيران والتشييد والبناء وخدمات المال والتأمين والصحة، كما أن النظام الضريبي قادر على كشف كثير من البيانات الدقيقة، ويفضل أن يتم نشر تقرير المنافسة ومؤشرات المنافسة بشكل سنوي.