مسارات النمو ومعالم المستقبل

يتصدر الاقتصاد السعودي قائمة الاقتصادات الأكثر حصدا للتصنيفات الائتمانية الإيجابية. وحقق ذلك في عز تفشي وباء كورونا الذي ضرب الاقتصاد العالمي ككل بانكماش مخيف. وتقف المملكة على رأس الدول الأكثر التزاما بتعهداتها المحلية والخارجية، حتى إنها تجاوزت في ذلك دول "مجموعة العشرين". وتعززت قوة الاقتصاد الوطني أساسا من خلال رؤية 2030 التي لا تزال ترسم الشكل النهائي المستدام له، بما يليق بقوة وإمكانات ومكانة البلاد إقليميا وعالميا. فالخطة الاستراتيجية المشار إليها، لم تصلح الاقتصاد بقدر ما أسست لاقتصاد جديد، بقطاعات وميادين متجددة وأخرى أضيفت إليها وفق متطلبات المستقبل. لهذه الأسباب وغيرها، احتفظ اقتصاد المملكة بمؤشرات مستقبلية مرتفعة من قبل المؤسسات الدولية المختصة، بما في ذلك بالطبع النمو الذي يتغير للأعلى في وقت يتغير فيه أغلب الاقتصادات نحو الأسفل.
ومن هنا يمكن النظر إلى إقدام صندوق النقد الدولي على رفع توقعات نمو الاقتصاد السعودي في العام الجاري إلى 7.6 في المائة بزيادة 2.8 نقطة مئوية عن توقعات بداية هذا العام. واللافت أن هذه المؤسسة العالمية ترفع توقعاتها في الوقت الذي خفضتها بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي ككل من 4.4 إلى 3.6 في المائة، بينما يمضي البنك الدولي أبعد من ذلك ليتوقع انخفاض هذا الاقتصاد إلى 3.2 في المائة، لأسباب ترتبط بالآثار السلبية التي تتركها الحرب الدائرة حاليا على الساحة بين روسيا وأوكرانيا، مع ضرورة الإشارة إلى الآثار الاقتصادية السلبية أيضا لجائحة كورونا التي لا تزال موجودة وتعمق اضطراب المشهد الاقتصادي الدولي. الاقتصاد السعودي سينمو هذا العام بنسبة كبيرة، تدعم عمليا المشاريع الاستراتيجية التي تجري في كل قطاع، وتكرس حقيقة أنه يمضي بثبات نحو التنوع والاستدامة، خصوصا إذا ما نظرنا إلى الزيادة المطردة، لمساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ورغم أن أحد الأسباب التي دفعت صندوق النقد إلى رفع توقعاته لنمو اقتصاد المملكة، هو ارتفاع أسعار النفط إلا أن نمو الناتج غير النفطي حقق قفزات نوعية في الفترة الماضية، وفي مسح لمؤسسة "ستاندرد آند بورز جلوبال"، فقد واصل نشاط القطاع غير النفطي في السعودية نموه القوي في الشهر الماضي، بل إن الإنتاج ارتفع بنسبة كبيرة منذ أكثر من أربعة أعوام. مع الاعتماد على ضرورة محورية الشراكة مع القطاع الخاص ضمن مسيرة التنمية والبناء الاقتصادي عبر سلسلة واسعة من التشريعات والفرص، التي تصب في النهاية في الوصول إلى الشكل النهائي للاقتصاد الوطني.
صحيح أن الاقتصاد السعودي مر كغيره بمراحل متقلبة، لكن رؤية المملكة أحدثت فارقا في هذا المجال. فقد وفرت الأدوات اللازمة لمواجهة التحديات، ورأينا الأثر المهم لهذه الأدوات خلال عام الجائحة التي ضربت العالم كله، إذ لا تولد الفرص والمشاريع وترسم معالم الطريق للمسار الاقتصادي فحسب، بل توفر الإمكانات اللازمة لمواجهة المتغيرات والمفاجآت في آن معا.
من هنا يمكن النظر مرة أخرى إلى رفع توقعات النمو للاقتصاد السعودي، في حين تتأرجح هذه التوقعات نحو الانخفاض في أغلب الاقتصادات حول العالم. فالمملكة الدولة الوحيدة في مجموعة العشرين التي رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لأدائها الاقتصادي بأكثر من نقطة مئوية واحدة للعام الجاري.
في حين تدل المؤشرات على أن اقتصاد المملكة سيواصل النمو رغم كل الظروف الدولية في العام المقبل، ما يضيف مزيدا من القوة إلى الحراك الاستراتيجي العام في البلاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي