حرب عالمية أم نظام اقتصادي جديد؟
منشأ الحروب العالمية في العصر الحديث من دول أوروبا، فالحرب العالمية الأولى 1914 كانت على خلفية اغتيال الرئيس النمساوي، أما الحرب العالمية الثانية في 1939 فكانت على خلفية هجوم ألمانيا على بولندا، وما نشهده حاليا من حرب بين روسيا وأوكرانيا يأتي في نطاق قريب جغرافيا للحربين العالميتين السابقتين، كما أن الظروف الجيوسياسية حاليا في الشرق ليست على أفضل حال، فالصين تحاول السيطرة على تايوان، إضافة إلى حالة التوتر في منطقة بحر الصين الجنوبي بين الدول المطلة عليه، ولا سيما أن الحرب العالمية الثانية قامت في فترة نزاع بين الإمبراطورية اليابانية وجمهورية الصين آنذلك.
الأزمة الروسية - الأوكرانية تحت السيطرة حتى هذه اللحظة والتأثير الاقتصادي العالمي للأزمة لا يزال كذلك في نطاق يمكن أن يتحمله كثير من دول العالم رغم الخسائر التي يتكبدها طرفا النزاع على المستويين البشري والاقتصادي، أي إن العبء الأعلى للحرب لا يزال على طرفي الأزمة وما ينال العالم حاليا مجرد آثار اقتصادية تحت السيطرة إلى حد بعيد، بسبب التطور اللوجيستي وتعدد مصادر الإمداد العالمي، إضافة إلى أن المصانع الأوروبية لا تزال تحصل الغاز الروسي ودورة الإنتاج الأوروبية لم تتوقف، كما أن التضخم في أوروبا لا يزال في نطاق الحدود المقبولة، ولا سيما في مثل هذه الظروف، كما أن الدول الأوروبية وحلف "الناتو" لم ينزلقا حتى الآن في معركة حربية مباشرة مع الروس.
العامل المشترك في حروب العصر الحديث أن الأمراض الوبائية كانت حاضرة مع الحروب، بعد الحرب العالمية الأولى انتشرت الإنفلونزا الإسبانية، كما أن الجوع والأمراض انتشرا في أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، والتاريخ وثق لنا ذلك، لكن ماذا عن الظروف الحالية التي لا تزال تتشكل في ظروف اقتصادية وجيوسياسية وصحية شديدة التعقيد بين الصين وروسيا والدول الغربية بقيادة أمريكا.
يمكننا تلخيص أهم المخاطر الاقتصادية التي تزيد فرص الحرب العالمية، التضخم العالمي قد يصل إلى مستويات لا يستطيع كثير من الدول تحمله، إضافة إلى تراجع النمو الاقتصادي في أوروبا وتشرذم التجارة العالمية واختلال سلاسل الإمداد، وعلاوة على ذلك عند اجتماع التضخم وتعثر النمو الاقتصادي سيؤديان بطبيعة الحال، إلى تعثر في سداد ديون الدول مقابل أن الدول الأقوى اقتصاديا سترفع معدلات شراء الأسلحة وفواتير الدفاع الأخرى.
أخيرا: يمكننا توقع ولادة نظام اقتصادي جديد إذا ما تهاوت أسعار صرف العملات، وتبعها حمائية تجارية بين الدول مع ركود تضخمي شامل، كما أن الظروف الحالية تنذر بحرب عالمية ثالثة، فالحربان الأولى والثانية انطلقتا من أوروبا وقياسا على الماضي من منظور تاريخي، يمكننا القول إن الحرب العالمية الثالثة قد تنطلق فعليا إذا ما تم احتلال دولة أوروبية أو دخلت في مواجهة مباشرة مع الروس، فالظروف الجيوسياسية والصحية والاقتصادية تناهز ظروف الحروب الشاملة للعصر الحديث.