تأثير الأزمة الأوكرانية في الانتخابات الفرنسية «2 من 2»

من الممكن أن تحكم كتلة ماكرون فرنسا لفترة طويلة، على نحو يعيد إلى الأذهان تراث الديجولية وتجسداته العديدة بعد وفاة ديجول.
على فرض أن اليمين المتطرف اغتنم الفرصة، فقد يعيد تشكيل نفسه ليتحول إلى كتلة قوية قادرة على تولي السلطة ذات يوم. وتماما كما أجبر ديجول اليسار الاشتراكي والشيوعي تحت قيادة فرانسوا ميتران، فقد يؤدي لعب ماكرون لمصلحة المحافظين التقليديين إلى توحيد القوى إلى يمينه. ولا يحتاج اليمين المتطرف إلا إلى تصوير نفسه كبديل وحيد للسلطة الديجولية الجديدة.
أما عن اليسار، فيبدو أنه يخضع لضغوط شديدة لحمله على تحدي هذا الواقع. مهما كانت سلطته الأخلاقية عندما يتعلق الأمر بالقضايا البيئية أو قضايا العدالة الاجتماعية، فإن اليسار يخوض مباراة محصلتها صفر من موقع ضعيف، ويحظى بدعم ما يقرب من 25 في المائة من الناخبين. ثم جاءت الحرب في أوكرانيا لتزيد الطين بلة. فاليسار منقسم حول الرد الواجب على هذه الحرب والدور الذي ينبغي أن تضطلع به فيها أوروبا، وفرنسا وحلف شمال الأطلسي. الواقع أن مرشح الخضر يانيك جادوت، والمرشحة الاشتراكية وعمدة باريس آن هيدالجو، اتهما ميلينشون بدعم الحكام المستبدين، وإن لم يخلف ذلك سوى تأثير ضئيل في شعبيته النسبية.
خلف الخط الفاصل الأوكراني، نجد وجهتي نظر متعارضتين حول كيفية إعادة تشكيل اليسار الفرنسي. الأولى تتمثل في مضاهاة الراديكالية في أقصى اليمين، ويعكس صعودها فيما يبدو مطالب جمهور الناخبين الذين يشعرون بأنهم وقعوا ضحية للخيانة من قبل التيار الرئيس. وتؤكد الثانية أن اليسار أصبح منفرا في نظر أغلب المجتمع لأنه تحديدا خسر عناصره المعتدلة. وكي يتسنى له أن يعود إلى السلطة، يجب أن ينجح في اجتذاب الناخبين المهتمين بقضايا، مثل البيئة لكنهم متشككون في الاتجاه الراديكالي. الواقع أن كلا الرأيين صحيح: إذ تتلخص مشكلة اليسار في غياب أي شخص قادر على إنتاج التوليفة الضرورية.
ماكرون سيواجه لوبان في الجولة الثانية، كما فعل عام 2017. وتتوقع استطلاعات الرأي فوز ماكرون، لكن بهامش أضيق كثيرا مما كان عليه قبل خمسة أعوام. يشير بعض الاستطلاعات أن لوبان قد تحصل على ما يصل إلى 47 في المائة من أصوات الجولة الثانية -وهو مستوى غير مسبوق من الدعم لمرشح من اليمين المتطرف الفرنسي. كانت الزيادة في أسعار الوقود سببا في دعم ترشح لوبان. ولأنها لم تعلن التزامها بالحصافة المالية مثل ماكرون، فإنها تستطيع أن تعد بتخفيضات كبيرة في ضرائب الوقود.
أعادت الأزمة الأوكرانية تشكيل السباق الرئاسي الفرنسي. حتى لو بدت النتيجة واضحة، فلا يقل عن ذلك وضوحا أن التأثيرات الجانبية المترتبة على هذه الأزمة من المرجح أن تفضي إلى تعقيد السياسة في أماكن أخرى من أوروبا أيضا.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي