لا لسياسة التدرج في الاحتياطي الفيدرالي «1من 2»
حتى الآن خلال هذا القرن، كان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي متدرجا بلا هوادة فيما يتعلق برفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية. إذ منذ رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في أيار (مايو) 2000، زاد الاحتياطي الفيدرالي من مستوى هدف سياسته "النطاق المستهدف الآن" بمقدار لا يتجاوز 25 نقطة أساس في كل مرة. ولم يكن الحال هكذا على الدوام. إذ بعد الانتقال إلى استهداف الأسعار في أواخر 1982، رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بنسبة تزيد على 1 في المائة في إحدى المرات، و75 نقطة أساس ثلاث مرات أخرى، و50 نقطة أساس في تسع مرات أخرى.
وفي المقابل، خلال الفترة الممتدة من حزيران (يونيو) 2003 إلى حزيران (يونيو) 2006، وهي الفترة التي سبقت الأزمة المالية التي استمرت من 2007 إلى 2009، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر فائدته من 1 في المائة إلى 5.25 في المائة من خلال 17 زيادة مقررة بمقدار 25 نقطة أساس في كل واحدة. وفي أحدث دورة للزيادة، وهي تلك التي بدأت في كانون الأول (ديسمبر) 2015، ارتفع الحد الأعلى للنطاق المستهدف للاحتياطي الفيدرالي تسع مرات بمقدار 25 نقطة أساس في كل مرة، حيث ارتفع من 0.25 في المائة ليصل إلى ذروة 2.5 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) 2018.
لكن بنك الاحتياطي الفيدرالي لم يتجه نحو خفض أسعار الفائدة تدريجيا. إذ منذ آب (أغسطس) 2019، اتجه بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى حد أدنى فعلي بنسبة 0.25 في المائة مع ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، تلاه تخفيض بنسبة 50 نقطة أساس في اجتماع غير مجدول في 3 آذار (مارس) 2020، و100 نقطة أساس أخرى في اجتماع ثان لم يسبق تحديد موعد له في 15 آذار (مارس) 2020.
الآن، وبعد أن بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي مرة أخرى يدرس سياسة نقدية أكثر تشددا، هل يجب أن يعتمد التدرج نفسه الذي اتبعه على مدى العقدين الماضيين؟
يشير أحدث أرقام التضخم إلى أنه لا ينبغي أن يفعل ذلك. فمنذ كانون الثاني (يناير) 2022، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 7.5 في المائة على أساس سنوي، مع وصول التضخم الأساسي (باستثناء الغذاء والطاقة) إلى 6 في المائة. وكانت نفقات الاستهلاك الشخصي في كانون الأول (ديسمبر) 2021 أعلى بنسبة 5.8 في المائة مما كانت عليه في كانون الأول (ديسمبر) 2020، حيث بلغ معدل التضخم الأساسي 4.9 في المائة. وعلى نطاق المقاييس التسعة للتضخم الأساسي التي يتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، تراوحت الزيادات السنوية اعتبارا من كانون الثاني (يناير) 2022 ما بين 3.1 في المائة إلى 6 في المائة. وارتفع متوسط الأجر في الساعة بنسبة 5.7 في المائة.
إذا أين يجب أن يكون معدل السياسة النقدية، وما مدى السرعة التي يجب أن يتحرك بها بنك الاحتياطي الفيدرالي لتحقيقه؟ إن نقطة البداية الجيدة هي معدل السياسة المحايدة - وهي نقطة التقاء معدل الأموال الفيدرالية مع مستوى التضخم المستهدف والعمالة الكاملة. والتقدير المعقول للمعدل المحايد هو 2.5 في المائة، وهو أيضا تقدير الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية على المدى الطويل. ويجب أن يكون معدل السياسة أعلى (أو أقل) من المعدل المحايد إذا كان التضخم أعلى (أو أقل) من الهدف، وإذا كان معدل البطالة أقل (أو أعلى) من معدل البطالة "الطبيعي" أو معدل البطالة المتوازن.
وإذا أخذنا حتى أكثر التقديرات تحفظا، نخلص إلى أن التضخم حاليا أعلى من الهدف المحدد بنسبة 1.1 في المائة، ولم يعد من الممكن القول إنه "مؤقت"- نتيجة للتأثيرات الأساسية، وصدمات الإمداد العكسية المؤقتة (بما في ذلك اضطرابات سلسلة التوريد) - والطفرات قصيرة المدى في أسعار الطاقة والسلع الأخرى. ويزيد معدل البطالة الذي بلغ 4 في المائة في كانون الثاني (يناير) 2022 بقليل عن أدنى مستوى له قبل كوفيد (3.5 في المائة)، وتراجعت العمالة غير الزراعية بنسبة 1.9 في المائة مقارنة بمستواها قبل الوباء في شباط (فبراير) 2020... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.