سحر الشامة «حبة الخال»
تختلف علامات الجمال بين الشعوب اختلافا كبيرا، فمنهم من يرى طول القامة سر الجمال، ومنهم من يرى أن طول العنق هو السمة الأبرز للجمال "بعيدة مهوى القرط"، وهو ما يعبر عنه الشاعر الشعبي في قوله:
بس عذروب الحبيب شارتين
مع سواد عيونها طول رقبتها
في حين يعد آخرون امتلاء الجسم هو الجمال بعينه، وهناك من يرى عكس ذلك ويعد الرشاقة رمز الجمال. إلا أن معظم الشعوب تتفق على أن وجود حبة الخال التي تسمى بالحسنة أو الشامة ولا سيما في الوجه هي العلامة الحقيقية الفارقة للحسن والجمال. والناظر إلى كتب الأدب العربي يأخذه العجب لكثرة ما قيل في مدح "الخال". وقد ألف كثير من الكتب في ذلك من أشهرها كتاب "كشف الحال في وصف الخال" لصلاح الدين خليل الصفدي المتوفى 764 هـ، وكتاب "صحائف الحسنات في وصف الخال" لزين الدين عبدالرحمن بن محمد الخراط المتوفى 840هـ، وكتاب "كشف الغبطة في وصف النقطة" لجمال الدين بن مطروح المتوفى 1128هـ.، وغيرها كثير. يرى البعض أن وجود حبة خال واحدة أدعى للجمال من كثرتها وفي ذلك يقول الشاعر:
والخد بهجته بخال واحد
وتقل فيه بكثرة الخلان
وللشعر النصيب الأكبر في ذكر الشامة ومدحها إلا أن الشعراء يختلفون في تشبيهها، فمنهم من يشبه حبة الخال بنقطة نون الحاجب أو بنقطة خاء الخد أو بنقطة انحدرت من كحل الجفون أو بأثر شرارة وقعت في ثوب أحمر! ومن أجمل ما قيل شعرا في ذلك قول ابن لبانة الداني:
لحظ النجوم بلحظة فأراعها
ما أبصرت في حسنه فتجلت
فتساقطت في خده فنظرتها
شزرا بمقلة حاسد فاسودت
وفي القرن الـ18 الميلادي في أوروبا كانت الفتاة ترسم الشامة على الشفة العليا طلبا للزواج، أما إن وضعتها على خدها الأيمن فكان ذلك يعني أنها مرتبطة. الناس يصفون الرجل الأنيس المحبوب بشامة المجلس لما يضفيه وجوده من السرور والبهجة. ومما يؤسف له في هذا الزمان أن حبة الخال فقدت بريقها أو تكاد بسبب إمكانية زراعتها في ظل تطور عمليات التجميل واستخدام الأجهزة الحديثة، ما أفقد الشامة بعدها الفطري الجميل الذي كانت تمتاز به الذي لطالما شغف به أصحاب الذوق الرفيع.