الحلول البديلة للتقاضي

في 1977 في الولايات المتحدة كانت هناك دعوى عالقة أمام القضاء الأمريكي منذ ثلاثة أعوام، وكان فيها محامون ومرافعات وخبراء وجلسات ومستندات ونفقات خبرة ونفقات قضائية وأتعاب محامين، وأرهقت الدعوى الطرفين بالوقت والتكاليف، ثم طرحت فكرة وسيلة بديلة لحسم هذا النزاع، وهي تأليف محكمة مصغرة يختار كل طرف فيها أحد كبار موظفيه ممن له دراية ومعرفة بتفاصيل النزاع ثم يرشح الطرفان رئيسا محايدا. وراقت الفكرة للطرفين وأوقفت إجراءات المحاكمة القضائية وعقدت المحكمة المصغرة جلسة ليست إلزامية في شيء، واستمرت الجلسة نصف ساعة أدلى بعدها رئيس المحكمة المحايد برأي شفهي لعضوي المحكمة ثم دخل موظفا الطرفين أي عضوي المحكمة إلى غرفة جانبية فدخلا في مفاوضة استمرت نصف ساعة وخرجا ليعلنا اتفاقهما وانتهت الدعوى على خير وسلام ووقف نزيف الوقت والنفقات والرسوم والأتعاب وكانت ولادة ما سمي في الولايات المتحدة بـ Alternative Disputes resolution واختصرت وعرفت بالـ A.D.R أي الوسيلة البديلة لحسم النزاع، هذه الحكاية هي بعينها واقع كثير من القضايا المعروضة في المحاكم أو التي تنتظر وقتها للدخول في ردهات المحاكم لتعيد الحكاية نفسها ولكن دون فاصلها الأخير، الذي هو أهم ما في الحكاية، الذي يحتمه العقل ويدعو إليه النضج القانوني والذكاء الاستثماري.
إن الاتجاه إلى الحلول البديلة والوسائل الحديثة لفض المنازعات وقطع الخصومات بأي شكل كان وهي كثيرة متعددة من الوساطة والتوفيق والتحكيم والتفاوض، كل هذا قد يحدث ويذهب العاقد إلى راحة البال وسلامة الخاطر وحفظ الجهد والوقت والمال، وقد يستبق هذا بوعي قانوني راق في ضبط العقد في بدايات العملية العقدية والعلاقة التجارية بوضع آلية حل النزاع وكيفيته ومن يقوم به من أفراد أو شركات أو مؤسسات أو مراكز دولية وموقعه ووقته، فيعرف العاقد اتجاه أمره ونهاية قضيته وكيف تبدأ ومتى تنتهي.
إنها طرائق بديلة ووسائل عملية مساعدة لأطراف الدعوى وللمحاكم بل وللدول في أهدافها في قطع النزاعات وبتر الخصومات دون إكهال وإرهاق للمؤسسات العدلية والجهات القضائية المثقلة بالدعاوى والمتكدسة بالقضايا وإن كان التقاضي في المحاكم هو الوسيلة الأصيلة والممتدة في العمق التاريخي والفقهي وإحدى ركائز الدولة الثلاث، ولكن في فتح الأفق البديل في التقاضي تسهيل على الناس وإدراك للفائدة، وهو منتج له مجالاته وقيادته.
وما أكتب عنه ليس الاجتهادات في عرض الصلح مجردا، فإما أن تقبل به الأطراف أو تنتقل إلى القضاء، وإنما الفكرة في المشاريع الرائدة المستوحاة من المشاريع الضخمة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة على سبيل المثال فتجد أن دور المصالحة تستقطب أصحاب القدرات الفائقة والقدرات الفطرية البارعة ثم لا تسأل عما يطرح على طاولة الإقناع من تبسيط الفكرة وتقريب وجهات النظر وتقديم الخيارات المتعددة.
ولو أراد أحدهم أن يقنعك بأن الأبيض أسود لأقنعك، بل فوق هذا أن المُصالح لا يكاد يخسر هدفه في ما يطلبه منه، وهذا يعرفه كل من زار تلك المراكز، وهي مراكز أهلية بجوار كل محكمة برسوم ميسرة وبنتائج مضمونة في إنهاء النزاع، إن على التجار وأصحاب الأموال ورجالات الدولة دعم هذه المبادرات، والإسهام في تعددها وتنوعها وتأهيل روادها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي