ماذا لو اندلعت الحرب في أوروبا ثانية؟
هناك شد للأعصاب في الدول الأوروبية خشية اندلاع حرب جديدة ساحتها المحددة أوكرانيا، بيد أن شظاياها ستتطاير بعيدا وقد تلتهم الأخضر واليابس. لقد احترقت أعصاب الناس هنا لكثرة التأكيدات على مواعيد محددة، إلى درجة تقدير اليوم من الشهر أو الأسبوع الذي ستزحف فيه الدبابات الروسية لغزو أوكرانيا.
وكل موعد يمضي والجيش الروسي لا يزال قابعا على الحدود يتنفس البعض الصعداء، بيد أنها قصيرة الأجل حيث لا تمضي إلا سويعات والاستخبارات الغربية الأمريكية، والبريطانية منها على وجه الخصوص، تحيلنا إلى موعد وشيك آخر يتطاير فيه جمر المدافع والقنابل والصواريخ. شخصيا لم أشهد حرقا للأعصاب مثل الذي تمر به الشعوب الأوروبية في هذه الأيام.
حتى في دول آمنة ومسالمة مثل الدول الاسكندنافية، بدأ القلق يدب في الصفوف، وصرنا نشاهد على شاشات التلفزة تمارين عسكرية بالذخيرة الحية، وأسراب الطائرات الحربية وجحافل الدبابات وجنودا بيضا "الزي العسكري الأبيض للحرب في الثلوج" يسرعون الخطى على المزالج وهم يصوبون بنادقهم صوب "العدو". ولأول مرة تعكر الطائرات الحربية السويدية النفاثة بأزيزها المرعب صفو الهدوء في الريف الوديع والجميل الذي أعيش فيه.
الاستعداد للحرب هنا على قدم وساق. والحرب قد تقع أو لا تقع. لكن حتى إن وقعت أو لم تقع، فإن الناس قد شبعت قلقا وخوفا وهلعا. قد يقول قائل كيف لأوروبا التي تنعم برخاء لم يعرف له العالم مثيلا أن تصبح أسيرة الهلع والقلق والخوف؟ الجواب يسير للمتضلع في تاريخها القريب جدا وليس البعيد. وهذا التاريخ يدلنا على أن الحرب إن وقعت في أوروبا، فمن العسر إطفاء نارها. ومهما كانت وجهة نظرنا إيجابية عن الدول الأوروبية الغربية منها والشرقية، فإن تاريخ حروبها مرعب.
لا تزال فرائص كبار السن والعارفين ببواطن الأمور ترتعد لمجرد تذكيرهم بالنازية والحرب العالمية الثانية، التي لا يزال بعض من شاركوا في أهوالها وعانوا مآسيها أحياء يرزقون.
هذه الحرب الضروس التي كانت أوروبا ساحتها تجعل شعر الرأس يقف قشعريرة، حيث قتل فيها عشرات الملايين من الناس، وأحرق فيها ملايين آخرون وهم أحياء، مع الأطفال والرضع وكبار السن.
وشتان بين أسلحة الحرب العالمية تلك التي وقعت قبل نحو سبعة عقود وأي حرب عالمية أخرى تكون أوروبا ساحتها. السبب بسيط لأن الأسلحة - وهنا أتحدث عن التقليدية منها فحسب - التي كانت لدى المتحاربين في الحرب الكونية الثانية من حيث القوة التدميرية لا شيء، مقارنة بالأسلحة التي في حوزتهم الآن.
يتحدثون في صحفهم وبفخر أحيانا بأن لديهم قنابل تزن نحو عشرة أطنان وصواريخ رأسها المتفجر يزن أكثر من طن واحد من المتفجرات ذات العصف الشديد والقوة التدميرية الهائلة.
وأغلب الحروب التي تكون ساحتها أو منشؤها أوروبا في الغالب تخرج عن السيطرة، وهنا الخشية لأن القارة محشوة حتى أسنانها، ليس فقط بالسلاح التقليدي الفتاك، بل سلاح التدمير الشامل، أي القنابل النووية.
الخصم هذه المرة ليس دولة نامية، لا حول ولا قوة لها أمام الجبروت الغربي، حيث يتم غزو أراضيها وتغيير نظامها، ثم تركها نموذجا حيا لمفهوم الدولة الفاشلة.
الخصم وهو روسيا لها من القوة والمنعة العسكرية ما يثير الرعب والخشية في الطرف الآخر، وانظر تقاطر الزعماء الأوروبيين على كرملين في موسكو، في محاولة تلو الأخرى لدرء مخاطر حرب كبيرة أخرى في المنطقة.
الأوروبيون، وأعني الدول الغربية الواقفة في صف أمريكا، يعملون بجدية لإبعاد شبح حرب مدمرة، لو وقعت فستهلك الحرث والنسل. قد لا يكون لحليفتهم أمريكا الحماس ذاته للتوصل إلى تسوية تبعد شبح حرب مدمرة، تحذرنا كل يوم تقريبا من أنها وشيكة وعلى الأبواب، والأيام والساعات تمضي والحمد لله الحشود الروسية الكبيرة على حدود أوكرانيا لا تزال في حالة انتشار. كل الحروب التي خاضتها أمريكا في القرن الـ 21 كانت خارج أراضيها، وهذه الحرب إن أطلق الروس شرارتها الأولى فلن تكون أمريكا ساحتها بل أوروبا.
والأوروبيون هم أول من يعاني تبعات الحروب التي تشنها أو تؤججها أمريكا، حتى تلك التي يكون الشرق الأوسط مسرحها، لأن المنطقة تشكل الحديقة الخلفية لأوروبا، وانظر سيل اللاجئين الذين يولون الأدبار، وغايتهم الوصول إلى الغرب الأوروبي من الدول الشرق أوسطية، التي تعصف بها الحروب والقلاقل. أبعد الله شبح الحرب عنا. لكن إن ذهب الغرب إليها هذه المرة فستكون النتائج أضعاف ما وقع من دمار مرعب في الحرب الكونية الثانية.