الأقنعة وحياة البشر

قبل كورونا كان البشر يرتدون أقنعة لم تكن واضحة للعيان ورغم ذلك كانت تحجب حقيقة الشخص الذي أمامك فتخدع لزمن طويل، وعندما تكتشف حقيقته تجد أن الوقت قد فات، صحيح أن هذه الأقنعة ما زالت موجودة وخطيرة في ذاتها، ولكن حديثنا اليوم عن أقنعة من نوع آخر استخدمت طبيا واجتماعيا لوقاية البشر، وأكبر دليل الدور الفاعل الذي لعبته تلك القطعة الصغيرة المصنوعة من مواد مختلفة وما زالت جزءا من تدابير الوقاية لفيروس تحدى البشر وعاث في الأرض فسادا.
عندما فرض ارتداء الكمامة اعتقد كثيرون أنها شيء جديد ودخيل، والواقع أن تاريخ ارتداء الأقنعة يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد والدليل على ذلك ما تم التوصل إليه في المقابر الفارسية، حيث أظهرت مختلف الصور أشخاصا كانوا يضعون المناديل على أفواههم، وفي الصين في القرن الـ13 كان الخدم يغطون وجوههم بأوشحة منسوجة من القماش، لأن الإمبراطور لا يريد أن تؤثر أنفاسهم في رائحة وطعم طعامه! أما أشهر قناع فقد ظهر في 1347 عندما حل الطاعون ضيفا ثقيلا على البشرية ارتدوا قناعا يغطي الوجه مزودا بمنقار طويل يشبه مناقير العصافير توضع فيه الأعشاب والعطور والتوابل، لاستنشاقها وتفادي استنشاق أنفاس المرضى مصحوبا بنظارات وثوب طويل من القماش البلاستيكي وسروال جلدي وقفازات وعصا للمس أو طرد المرضى. وصفه المؤرخون بأنه "أغرب دواء تم اختراعه على الإطلاق".
وفي القرن الـ20 في 1918 تحديدا ثبتت فاعليته وارتداه الناس للوقاية من الإنفلونزا الإسبانية، لأن إسبانيا كانت محايدة خلال الحرب العالمية الأولى، كما أنها أول دولة أبلغت عن تفشي الوباء الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، ويعتقد أن النزوح في نهاية الحرب العالمية الأولى "1914ـ 1918" سرع من انتشاره. وعند انتشار الضباب الدخاني الذي قضى على نحو 12 ألف شخص في الثلاثينيات من القرن الماضي لم يجد البشر مفرا من ارتداء الكمامات الواقية وأصبحت حتمية مثل ارتداء القبعات على الرأس في ذلك الزمان!
شهد القناع في القرون الوسطى تطورات عديدة في وظائفه وأشكاله. فعلى الصعيد العسكري، ظهرت وظيفة جديدة للقناع تكمن في حماية وجه المقاتل والرياضي من ضربات السيوف والرماح خلال الحروب والمبارزات بدلا من إرهاب العدو. واشتهر سكان البندقية بارتداء الأقنعة مثل قناع "كولومبيانا" و"باوتا" في حياتهم اليومية وخلال تجوالهم في الأسواق، ويكمن السر في الطبقية الاجتماعية، فحديثو النعمة يرتدونه في اجتماعاتهم مع النبلاء لإخفاء هوياتهم الحقيقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي