Author

وظائف العمل عن بعد

|
أدت جائحة COVID - 19 إلى تسريع اتجاهات بعيدة المدى في محتوى ومهام الوظائف، وعلاقتها بتقنيات الاتصال، إضافة إلى آثارها الاجتماعية والاقتصادية. فبعد تطبيق الحجر الصحي والاحتياطات الاحترازية، في أغلب دول العالم، أدى ذلك إلى تفعيل دور العمل عن بعد خصوصا الوظائف التي تنطوي على مستويات عالية من المهام غير الروتينية، وهذا أسهم في اتخاذ الترتيبات للعمل من المنزل وبالتالي الاحتفاظ بوظائفهم. ساعد توافر وصول موثوق إلى الإنترنت على تفعيل ذلك. وهذا ينطبق أيضا على الأشخاص الذين لديهم مسؤوليات إدارية تتطلب تفاعلات شخصية مكثفة، حيث يمكن تنفيذ معظم مهامهم عبر الاتصال عبر الإنترنت. وعلى النقيض من ذلك، فإن أصحاب الوظائف التي ترتبط بمهام روتينية ويدوية بشكل مكثف تتطلب مهارات منخفضة أو متوسطة لم يكونوا قادرين على العمل عن بعد. ونتيجة لذلك، كان أصحاب هذه الوظائف أكثر عرضة لمواجهة توقف الدخل وربما فقدان الوظائف. وفي معظم الحالات، تتطلب وظائفهم الوجود في مكان معين أو التفاعل مع العملاء و/أو زملاء العمل شخصيا.
عديد من الدراسات حاولت إيجاد مقياس لتصنيف الوظائف المناسبة للعمل عن بعد، وتحديد المتطلبات التي تدفع إلي تفعيل هذا النموذج في بيئة العمل. حيث يمثل توافر الإنترنت عاملا رئيسا في تطبيق استراتيجية العمل عن بعد. أما الوظائف التي تتطلب التواصل المباشر مع العملاء، أو وظائف تشغيل المعدات فإن تطبيق استراتيجية العمل عن بعد عليها غير مناسبة.
في دراسة بعنوان "من على وجه الأرض يمكنه العمل من المنزل؟" لمجموعة من الباحثين نشرتها مجلة Research Observer تناولت تأثيرات COVID - 19 على تطبيقات الوظائف وإمكانية تحويل جزء من الوظائف للعمل عن بعد للمساهمة في مستوى إنتاج مقبول وضمان استمرارية العاملين وعدم انقطاع الخدمات وبالتالي الحد من الآثار الاقتصادية التي يمكن أن تصيب العاملين وأسرهم واقتصادات الدول. بالاعتماد على تصنيف المهن الخاص بشبكة المعلومات المهنية التابعة لوزارة العمل والتوظيف والتدريب الأمريكية، وبتطبيق معيار قابلية تلك المهن للعمل عن بعد وجدت الدراسة أن 55 في المائة من الوظائف المدرجة في هذا التصنيف قابلة لتطبيق سياسة العمل عن بعد عليها، ويتضمن ذلك أربعة أنواع مختلفة من المهن: (أ) مهن يمكن أداؤها من المنزل بشرط توفر الإنترنت، (ب) مهن يمكن أداؤها من المنزل دون استخدام الإنترنت، (ج) مهن لا يمكن أداؤها من المنزل ولا تتطلب الإنترنت، و(د) مهن لا يمكن أداؤها من المنزل، لكنها تتطلب الإنترنت.
استنتجت الدراسة إمكانية أداء واحدة من كل خمس وظائف في جميع أنحاء العالم من المنزل، لكن هذا الرقم يخفي تباينا هائلا عبر الدول لأن القدرة على العمل عن بعد مرتبطة بالدخل. ففي الدول ذات الدخل المرتفع، يمكن أن تكون وظيفة واحدة من كل ثلاث وظائف مناسبة للعمل من المنزل، بينما في الدول منخفضة الدخل يمكن عمل وظيفة واحدة فقط من كل 26 وظيفة في المنزل. مؤشرات جائحة COVID - 19 ما زالت مستمرة، وقد تحدث ضغطا شديدا على سوق العمل في جميع دول العالم.
قياس قدرة الدولة على تحويل جزء من الوظائف يتطلب قياسا دقيقا لقدرة شبكة الإنترنت على تسهيل الأعمال، وفاعلية البرامج والبنى الأساسية لاحتواء هذا المنهج وتطبيقه. نجحت وزارة التعليم في المملكة في تفعيل التعليم عن بعد خلال فترة الجائحة، لكن فعالية التعليم عن بعد بحاجة إلى قياس دقيق لمعرفة مدى استفادة الطلاب من ذلك، وهذا يمكن تطبيقه على الوظائف التي يمكن أداؤها عن بعد، والاستفادة من القدرات التي نمتلكها في سبيل تفعيل العمل عن بعد والرفع من جودة العمل المقدم للتماشي مع متطلبات هذا العصر والمساهمة في حل كثير من المسائل التي قد تواجه هذه الاستراتيجية.
إنشرها