Author

الهيدروجين محور آخر للطاقة

|
كاتب اقتصادي [email protected]
يزداد الاهتمام بصورة كبيرة بالهيدروجين كمصدر واعد للطاقة النظيفة. وهذا الاهتمام يرجع إلى السعي العالمي لحماية المناخ والبيئة عموما، وخفض انبعاثات الكربون إلى الحد الذي يضمن في النهاية عدم ارتفاع درجة حرارة الأرض، إلى مستوى يولد كوارث طبيعية مختلفة. وهذه المادة التي لا تزال في بداية حضورها على الساحة يمكن استخدامها في مراحل متقدمة في قطاعات مختلفة، كالنقل والمرافق والصناعة. فهي في النهاية لا تنتج أي انبعاثات كربونية. ولأنها في بدايتها، لا تزال الطاقة الهيدروجينية مرتفعة التكلفة على الأقل في المستقبل المنظور، وذلك لعدم توافر البنى التحتية لها، إلى جانب ندرة الأجهزة المستخدمة في تصنيعها. لكن في النهاية يبدو واضحا أن هذا النوع من الطاقة سيشكل محورا رئيسا عالميا في فترة زمنية لن تكون طويلة.
بعض المتحمسين للطاقة الهيدروجينية يؤكدون أنها ستغير وجه صناعة الطاقة في المستقبل، لأنها تدعم بالدرجة الأولى المخططات الدولية في الحد من التغير المناخي، وخفض الانبعاثات المسببة لهذا التغيير. فكثير من الدول حددت جداولها الزمنية للوصول إلى ما استصلح على تسميته بالحياد الكربوني. وفي العالم العربي، تتصدر السعودية المشهد على الصعيد البيئي، وكذلك في مجال بناء الطاقة الهيدروجينية، في سياق الاستثمارات المختلفة وفق رؤية المملكة 2030، واستمرار الريادة السعودية على مستوى العالم في مجال الطاقة عموما. فقبل أيام، وقعت وزارة الطاقة فيها على ثماني اتفاقيات لتنفيذ عدد من المشاريع التجريبية حول استخدامات الهيدروجين. علما أن لهذه المادة نوعين،:الأول الهيدروجين الأخضر الذي لا يصدر أي انبعاثات على الإطلاق، والثاني الأزرق الذي يصدر أقل مستوى من هذه الانبعاثات مقارنة ببقية مصادر الطاقة التقليدية.
ومن أهم مزايا الطاقة الهيدروجينية، أنها ستكون مستقبلا وليس الآن أقل تكلفة من الغاز، كما أن الخبراء يركزون على مسألة مهمة أيضا، وهي أن البنى التحتية الحالية للغاز الطبيعي يمكن أن تستخدم في إنتاج وتمرير الهيدروجين، بمعنى أن التكاليف ستكون أقل بعض الشيء. كما أن المحركات التي تعمل بالغاز أو مصادر الطاقة الأخرى، يمكنها التأقلم بسرعة مع الهيدروجين، ولا تحتاج إلى تعديلات كبيرة، ما يختصر كثيرا من الوقت والجهد والمال في مرحلة التحول. ومن الواضح، أن الأمور تمضي في سياق سلس في هذا الميدان الذي يمكن اعتباره جديدا، ولا سيما مع تشجيع بعض الدول لهذا الحراك عبر الإعلان عن تسهيلات تدعم هذا المسار في كل مراحله.
وترى المفوضية الأوروبية أن الهيدروجين النظيف أو الأخضر، يمكن أن يلبي ربع احتياجات العالم من الطاقة بحلول عام 2050، مع وصول مبيعاته السنوية إلى 714 مليار دولار. مع العلم أن هذه المادة ستحل بصورة أساسية مكان الكهرباء التي تستخدم في الصناعات الثقيلة. ورغم كل الإشارات الإيجابية إلى الهيدروجين كطاقة، إلا أنه لا يزال أعلى تكلفة حاليا مقارنة بالغاز الطبيعي في أغلب الدول.
تصنيع الهيدروجين الأخضر ليس معقدا كما قد يبدو للوهلة الأولى. ويعتمد أساسا على التحليل الكهربائي، ولإنتاج كميات كبيرة من الهيدروجين، يتطلب الأمر الماء ومحللا كهربائيا كبيرا وإمدادات وفيرة من الكهرباء. وبحسب الخبراء، إذا كانت الكهرباء تأتي من مصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية أو الرياح أو الهيدروجين، يكون الناتج الهيدروجيني أخضر بشكل فعال. وإذا كانت هناك مشكلة كبيرة بعض الشيء في الوقت الحالي، فهي تتعلق بنقص المعروض من أجهزة التحليل الكهربائي، مع ضرورة الإشارة، إلى أن تكاليف الكهرباء لا تزال باهظة. لكن كل هذا يمكن في مرحلة ما أن يحل، إذا ما استمر مسار البحث الدائم عن الطاقة النظيفة على زخمه الراهن المرتبط باهتمام العالم بالحفاظ على المناخ.
إنشرها