Author

الهيدروجين ومعايير الكفاءة والريادة

|

تشهد المملكة نهضة اقتصادية وصناعية وعلمية ومشاريع بناء تنموية واسعة ومتعددة الأغراض فريدة من نوعها عالميا من حيث النطاقات والقطاعات والأهداف. فالجهود التي بذلت خلال هذه الأعوام القليلة، والبنية المعرفية المتكاملة التي تم تأسيسها، واستغلال الميزات التنافسية على صعيد الجغرافيا، سمحت للسعودية بإنشاء مشاريع متنوعة للطاقة البديلة ذات أبعاد عالمية. ومن هذه المشاريع الكبرى مشروع أنشأته مدينة "نيوم" بالاشتراك مع شركات عالمية، يتيح للمملكة في غضون أعوام قليلة أن تصبح محورا عالميا لإنتاج الهيدروجين وتسويقه وجعلها تمتلك ريادة عالمية في هذا الجانب الذي يمثل مستقبل الطاقة المتجددة المقبلة.
وعلى هذا الصعيد نجحت المملكة خلال الأعوام القليلة الماضية، في وضع استراتيجية متقدمة للطاقة، تأخذ في الحسبان الإمكانات المتوافرة لديها في هذا المجال، إضافة إلى مخططاتها المتقدمة أيضا على صعيد توفير الحماية للمناخ والبيئة، عبر سلسلة من المشاريع والبرامج تقود في النهاية إلى الحياد الكربوني، بعد أن وضعت 2060 هدفا لتحقيق ذلك. مصادر الطاقة متعددة، لكن ليست كلها مستدامة، يضاف إلى ذلك، المشكلات البيئية الناجمة عنها.
ومن هنا يمكن النظر إلى توجه السعودية في التحول مستقبلا نحو الطاقة الهيدروجينية التي تعد من المصادر النظيفة جدا، وتلبي المعايير العالمية للمحافظة على البيئة عامة. وكما وضعت المملكة مجموعة من المشاريع الخاصة بالطاقة البديلة، بما في ذلك الطاقة الشمسية، فإنها تمضي قدما في التأسيس للهيدروجين القادر على توفير الطاقة بأعلى مستويات الكفاءة.
وزارة الطاقة وقعت على ثماني اتفاقيات لتنفيذ عدد من المشاريع التجريبية حول استخدامات الهيدروجين. وهذا الأخير ينقسم إلى نوعين، الأول الهيدروجين الأخضر الذي لا يصدر أي انبعاثات مضرة بالبيئة، والآخر "الأزرق" بانبعاثات قليلة للغاية. يضاف إلى ذلك أنه يتم إنتاجه باستخدام الطاقة المتجددة، في حين سيكون أرخص من الغاز الطبيعي. والسعودية تمتلك الإمكانات والموارد اللازمة للمضي قدما في هذا المشروع المتميز الذي يصب في عمق توجهاتها. والمسألة لا تتوقف عند هذا الحد، بل تشمل قدرات السعودية على أن تصبح دولة مصدرة للهيدروجين في فترة لن تكون طويلة. وكما أنها تتمتع بأقل تكلفة إنتاج في العالم في ساحات النفط، ستكون كذلك في الميدان الهيدروجيني.
فوزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، أكد أنه "بوجود القيادة الداعمة وبشغف هذا الجيل القادر على تحقيق الطموح، سنكون الأقل تكلفة والأكثر والأقدر، بل الأجدر أن نكون وطنا للطاقة".
وتعكف وزارة الطاقة دون كلل مع الشركاء لتنفيذ بعض التطبيقات للهيدروجين، من أجل توسيع نطاق استخدامه مستقبلا، وهذا يدعم بالطبع الهدف الأهم وهو ريادة السعودية لاحقا في مجال إنتاج وتصدير الهيدروجين إلى العالم. وهناك عشرات الساحات التي يمكن أن تستقطب هذا النوع من الطاقة بسهولة، وفي مقدمتها القطارات ووسائل النقل عموما، بما فيها الطائرات التي تتسبب من فرط تعاظم حراكها العالمي في آثار سلبية كبيرة على المناخ والبيئة، إضافة إلى المصانع وبعض المحركات التي لا يمكن تشغيلها بالكهرباء، أو تكون أقل قدرة على العمل بالطاقة الكهربائية. أي أن الميادين لاستخدام الهيدروجين واسعة، إلى جانب قلة تكاليف الإنتاج، خصوصا أنه يأتي من مصادر طاقة متجددة، ومتوافرة في بلد يتصدر المشهد العالمي في مجال الطاقة مثل السعودية.
المخططات السعودية، تأتي في ظل التوقعات التي أشارت إلى أن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يلبي ربع احتياجات العالم من الطاقة بحلول 2050، مع وصول مبيعاته السنوية إلى أكثر من 714 مليار دولار. واللافت أيضا أنه يمكن أن تستخدم فيه الأنابيب والبنى الخاصة بإنتاج الغاز، والأمر يتطلب بعض التعديلات منخفضة التكاليف، بحسب المختصين. حتى إنتاج الهيدروجين الأخضر يصب أيضا في سياق الاستراتيجية الدولية للمحافظة على المناخ، ما يعزز التوجه السعودي في مجال يمكن أن تسجل الرياض فيه ريادة. فالجهات العالمية المختصة بشؤون الطاقة مثلا، أكدت في غير مناسبة أن المملكة قادرة على تصدير الطاقة المتولدة من الشمس إلى العالم في غضون أعوام قليلة، ما يعزز مكانتها في صدارة قائمة الدول المنتجة والمصدرة للطاقة بكل أنواعها.
مرحلة الهيدروجين السعودي مقبلة، في ظل مخططات لتلبي طلبات المستقبل من الطاقة المتجددة، وتأخذ في الحسبان التزامات البلاد على صعيد البيئة والمناخ، وتحقيق الحياد الكربوني، وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة.

إنشرها