المدينة القضائية
الإبداع يعطينا مجالا لإشباع الحاجات الإنسانية بطريقة أحسن ويساعدنا على الوصول إلى أهدافنا وتحقيقها بطريقة أسهل وأفضل، وبدراسة السلطات الثلاث التي تقوم عليها الدول: التشريعية والقضائية والتنفيذية، نجد أن السلطة القضائية هي رابطة العقد بين السلطتين الأخريين، فمن التشريعية تأخذ الأنظمة والقوانين ومن التنفيذية تطلب تنفيذ أحكامها وقراراتها، والدول تعنى بالسلطة القضائية لما لها من أثر في استقرار الدول والاستثمار فيها، وهي من أكثر الأدوات جذبا للاستثمار الأجنبي وتهيئة السوق له.
ومن الأفكار الإبداعية في الاحتفاء بهذه السلطة القضائية: إقامة مدينة لها خاصة بها، تجمع بين مكوناتها كلها في محيط واحد فتجمع بين القضاءين العام والإداري وبين وزارة العدل وديوان المظالم، والمجلس الأعلى للقضاء، والمعهد العالي للقضاء، ومحاكم الدرجة الابتدائية والاستئناف والعليا، ومراكز الدراسات والبحوث القضائية، ومراكز التحكيم والمصالحة والوساطة، ومراكز تقديم الخدمات كشركات المحاماة وناجز والإسناد والتصفية، ومراكز التدريب والتطوير، والمراكز القانونية العالمية المنبثقة من الجهات القيادية القانونية كجامعات هارفارد وأوكسفورد ونيويورك وكامبريدج، والجهات الحقوقية والقانونية كهيئة حقوق الإنسان والهيئة السعودية للمحامين.
وفي هذه المدينة تقام المؤتمرات والندوات المتخصصة في علم القضاء على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وتكون على نسق بديع يجمع بين الأصالة والمعاصرة وما انتهت إليه علوم الحضارة والتقنية، والاستعداد لتقديم النماذج المتميزة في القضاء للزائرين والسائحين والمهتمين بالشأن القضائي، والعناية برجالات القضاء وكتابة سيرهم وحفظ علوم السابقين منهم والمعاصرين، وإقامة الفعاليات والمناسبات والمعارض الدائمة والمؤقتة المتعلقة بهذا الشأن.
وكل هذا إن لم يكن بإخراج مذهل وعمل متقن وروعة تصميم، فإن المدينة القضائية لن تكون حديث الناس، ولا محل اهتمامهم، ولا مقصدا لوجهتهم، ولن تحقق أهدافها ولن تنال مرادها، وقد قيل: لعل من عجائب الحياة أنك إذا رفضت كل ما هو دون مستوى القمة، فإنك دائما تصل إليها.