القليل الكثير

ربما تكون فكرة "قليل دائم خير من كثير منقطع" منتشرة نظريا خاصة عند الحديث عن عبادات تطوعية أسأل الله أن يكتب أجر أصحابها، ولا أعرف مدى انتشارها عمليا في هذا الشأن، لكنني أعرف اليوم ومن تجارب حياتية بسيطة أن هذا المبدأ يصلح لمعظم الأشياء، خاصة المتعلقة بالمعيشة والحياة اليومية.
صناعة عادات صغيرة ودائمة أفضل من انتظار "الوقت المناسب" الذي قد لا يأتي مع مشاغل الحياة، أو يأتي متأخرا في الوقت الذي يفقد طعمه، أو تأثيره، وهذا الأخير أهم كثيرا.
إن تمشي كل يوم في حديقة أو ممر هادئ لعدة مئات من الأمتار أفضل من انتظار اشتراكك في النادي، أو التقائك مجموعة "هايكنج" قد يطول إلى أسابيع وقد "يلغى" المشروع كما يحدث كثيرا، وفي هذا نصيحة أخرى، حاول إيصال أطفالك للمدرسة حتى لو توفر لديك السائق، فالقليل من الدقائق اليومية في بادئة اليوم معهم ستشكل تراكما نفسيا إيجابيا وجميلا مع الزمن، فضلا عن أن ذلك يتيح لك البكور الذي سيتيح لك قليلا من المشي وربما القراءة إن كنت محظوظا.
إن تقرأ كل يوم نصف صفحة بلغة أخرى مستعينا بترجمة هاتفك أو حاسوبك سيوصلك في النهاية إلى قراءة أسرع وقائمة مفردات أكبر، وربما ستستغرق ثلاثة أشهر لإنهاء الكتاب الأول، لكن الكتاب الثاني سينتهي خلال شهرين، وستسبق من ينتظر أن يدخل دورة لغة تتأجل كل صيف، وبالمثل إن تقرأ 20 صفحة بلغتك أفضل من انتظار إجازة أو سفر قد لا يأتيان، وتتراكم الكتب وأنت ما زلت تخطط.
استراتيجية القليل تزداد أهميتها في زمن الاستهلاك السريع والنهم إلى كل شيء، النهم المحبط في بعض الحالات، المحبط لعدم الوصول إلى الغايات، فقلة من الناس اليوم تعرف المعنى الحقيقي للقناعة بجزء من شيء أو قليل منه، نظرا إلى اشتداد الضغط من وسائل الاتصال، وارتفاع سقف "الاشتهاء" لامتلاك كل شيء أسوة ببعض من صنعتهم المرحلة.
ربما يكون سن الإنسان عاملا مهما هنا، فالتجربة الحياتية تعلم الصبر، وكلما صغر سن الإنسان قل صبره، والعكس صحيح، لأن الكبار في السن أدركوا أن تحقيق الأشياء أو الأهداف هنا يحتاج إلى الوقت، ورغم أن وقتهم في الحياة أقل من الشباب ـ وكل شيء في يد الله سبحانه وتعالى ـ إلا أن الملاحظ أن الشباب يشعرون بضيق وقلة الوقت أكثر من الكبار نسبيا، ولعل ذلك بسبب فكرة "الإيقاع السريع" الواهمة.
القليل الهادئ يكثر بثبات، والكثير المرتبك يقل سريعا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي