التعجيل بنشر وتوفير اللقاحات «3 من 3»
سيساعد تخزين اللقاحات وبناء الطاقة الإنتاجية بصورة مسبقة في الحد من خطر قومية اللقاحات أيضا، أي: قيود التصدير واكتناز الإمدادات الأساسية، وهو الأمر الذي يهدد النظام التجاري الذي يعتمد عليه معظم دول العالم في الحصول على التكنولوجيا الطبية. وخلال الجوائح، تؤدي الضوابط السعرية إلى عجز في الإمدادات، وهذا العجز بدوره يعطي الحكومات حافزا قويا لتوفير اللقاحات الفعالة للناخبين على المستوى المحلي، نظرا لمسؤوليتها تجاههم بدلا من إتاحتها لدول أخرى.
والأمر ليس نظريا فحسب. فخلال جائحة كوفيد - 19، فرضت الولايات المتحدة والهند، وهما أكبر منتجين للقاحات على مستوى العالم، قيودا على تصدير اللقاحات والمدخلات عامي 2020 و2021. ومنع بعض دول الاتحاد الأوروبي تصدير الكمامات الجراحية حتى إلى أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين، واتهمت الولايات المتحدة باحتجاز الشحنات المتجهة إلى حلفائها. وعندما انتهى العجز العالمي في الكمامات، سرعان ما انحسرت الاضطرابات المحلية.
غير أن القناعات الأخلاقية لن تمنع وحدها قومية اللقاحات على الأرجح. وبلغة نظرية المباريات، يتطلب تغيير سلوك الحكومات الوطنية خلال الجوائح تغيير قواعد المباراة من خلال إحداث التحول اللازم في المخزون العالمي من الطاقة الإنتاجية للقاحات. فتلقيح جميع السكان على مستوى العالم خلال أشهر قليلة سيضعف الحافز لدى الحكومات على الاكتناز وفرض قيود على الصادرات. حتى لو وفرت الدول اللقاحات لمواطنيها أولا، فسيمكن الحد بدرجة كبيرة من تأخر وصول اللقاحات إلى باقي دول العالم.
كذلك سيسهم تحرير التجارة من خلال معالجة حالات العجز في تعزيز الكفاءة والأمن العالميين. ذلك أن قليلا من الدول بل المناطق أيضا سيتسنى لها بناء طاقة إنتاجية كبيرة تتسع لمختلف أنظمة تطوير اللقاحات، نظرا لاختلاف النظم التي تتخصص فيها مختلف المناطق وقد يفشل أي منها في إنتاج لقاح فعال"، في حين أن سلاسل الإمداد تخدم العالم أجمع. لذلك فإن تحرير التجارة سيمنح الدول الثقة اللازمة للاستثمار في الطاقة الاحتياطية لمجموعة مختلفة من التكنولوجيات، ما سيؤدي إلى مزيد من اللقاحات العالمية المحتملة.
وينبغي أيضا تشجيع الاستثمارات الوطنية متعددة الأطراف في سلاسل الإمداد وطاقة إنتاج وتخزين اللقاحات. فخلال جائحة كوفيد - 19، كان هناك شعور بعدم اليقين بشأن ما إذا كانت استثمارات فرادى الدول في زيادة الطاقة الإنتاجية للقاحات ستؤثر بصورة إيجابية أم سلبية في الدول الأخرى. فمن ناحية، تسهم هذه الاستثمارات في زيادة الإمدادات العالمية. لكن من الناحية الأخرى، قد تؤدي الاستثمارات في بلد واحد إلى رفع الأسعار بالنسبة للدول الأخرى في حال لم يمكن تعديل مستوى الإمدادات سريعا لتلبية الطلب الجديد بالأسعار الحالية. غير أنه على المدى الطويل، يفترض أن نستطيع بناء الطاقة اللازمة أيا كان حجمها، ما يعني أن الطاقة المتاحة ستتسع لأي زيادة كبيرة في الطلب دون أن يقابل ذلك ارتفاعا كبيرا في سعر الوحدة. وبالتالي فإن استثمارات بلد واحد للاستعداد لمواجهة أي جوائح مستقبلية لن تعوق الدول الأخرى عن الحصول على اللقاحات.
وفي الواقع، نظرا لأن معظم الفاشيات المرضية الجديدة مثل، إيبولا وزيكا تضرب مناطق دون غيرها، يمكن للدول غير المتضررة إتاحة طاقتها الإنتاجية لدول أخرى في حالات الطوارئ. وفي الوقت نفسه، يمكن للاستثمارات الجماعية من خلال المنظمات متعددة الأطراف أن تتيح للدول الاستفادة من حالة الجهل بالجوائح المستقبلية. فلا أحد يعلم أي الدول سيقع عليها الضرر الأكبر خلال الجوائح المستقبلية، لذلك فمن المنطقي أن تتفق الدول مسبقا على إيلاء الأولوية لتوفير الإمدادات للدول والسكان الأشد تضررا. ومن هنا فإن الاستثمار في الطاقة الإنتاجية أيا كان حجمه سيسهم بقوة في تعزيز الشعور بالأمن في جميع الدول.
ورغم الموافقة على اللقاحات في كانون الأول (ديسمبر) 2020، لا تتوقع دول عديدة حصول أغلب مواطنيها على الجرعة الكاملة من اللقاح حتى أوائل عام 2022. ويمكننا تجنب هذا التأخير الكارثي مستقبلا من خلال الاستثمارات الاستراتيجية الاستباقية.