Author

الأصول التقنية والانطلاقة الجديدة

|
عندما نتحدث عن الأصول التقنية أو الاستثمارات التقنية فنحن نتحدث عن شيء واسع جدا، لكن لو حددنا التعريف بالأصول التقنية غير الملموسة لأصبحت الدائرة أضيق وأكثر وضوحا. تعرف الممارسات مهنية الأصل غير الملموس بأنها الأصل الذي يفتقد للجوهر المادي، والأمثلة على ذلك كثيرة، مثل الشهرة وبراءات الاختراع وقوائم العملاء والبرمجيات والتراخيص. وتستثنى محاسبيا الأصول المالية من نطاق الأصول غير الملموسة، لأن الأصول المالية لها تعريفها ومعالجتها الخاصة. الحديث عن الأصول التقنية غير الملموسة يشمل إجمالا كل ما يستثمر وينتج كتقنية حديثة ويفتقد الجوهر المادي ويمكن تصنيفه كأصل غير ملموس.
الاستثمار في التقنية لا ينعكس بالضرورة في أصول الشركة، أي: إن عملية رسملة الأصول - والرسملة إجراء محاسبي يوزع أثر المنتج محاسبيا على فترات عديدة عن طريق تنصيبه ضمن الأصول التي تستهلك وتستنفد على عدة أعوام - ليست المدخل الوحيد لإثبات الاستثمار في التقنية، مصروفات البحث والتطوير وعديد من تصنيفات المصروفات الأخرى تحمل في العادة قدرا لا يستهان به من الجهود والموارد التي تعكس الاستثمار في التقنية. وهذا ما نلاحظه في القوائم المالية للشركات التقنية الكبرى مثل "جوجل".
محليا، هناك عدد من المؤثرات التي ستجعل الاستثمارات التقنية تظهر بشكل أكثر وضوحا وأهمية في الفترات المقبلة، أولها: النمو المتوقع الذي سينقلها إلى دائرة الضوء بشكل أكبر ويرفع الثقة بها كأصول استثمارية معتبرة تستحق المنافسة والسعي والمتابعة. وهذا النمو يحفز اليوم بأكثر من حراك محلي واضح، من ضمنها حركة الاستثمارات في الشركات الناشئة التي يقوم معظمها على التطبيقات التقنية، ومن أسباب النمو كذلك الحراك الحكومي التقني الذي يبدأ مرحلة تخصيص مهمة وفي طريقه لمزيد من التفاعل مع القطاع الخاص. ومن محفزات النمو التنظيمات المتزايدة التي تؤطر عمليات الاستثمار التقني وتسمح بتعدد ممارساته وتشريعها رغم أن التنظيم أداة حساسة قد تكون عائقا إذا لم تتواءم مع خصائص وإمكانات السوق والقطاع. التعامل مع البيانات والقدرة على فهمها وحصرها والاستفادة منها يرفع دون شك من نضج البيئة التي تولد الاستثمارات التقنية. وأخيرا، يبقى العنصر البشري والمواهب والمهارات المختصة، وهذا هو الأصل الحقيقي الذي يحرك كل الأصول الأخرى وهذا يشهد بلا شك تطورا غير مسبوق مع أن تحديات نموه بالحجم المطلوب كثيرة والمنافسة شديدة جدا على أصحاب المهارات المتقدمة، وهي في شح على مستوى العالم وليس محليا فقط.
عالميا، هناك تطورات مختلفة ولافتة تحدث في هذا السياق، فالأصول التقنية قد تكون متقدمة جدا ومرتبطة بتطبيقات صناعية وعسكرية وطبية معقدة جدا وهذا باب مختص رأينا فيه بعض البذرات المحلية لكنه غير قابل للتحرك السريع بسبب ارتباطه بمتطلبات قطاعية وتنظيمية وبيئية مختلفة يصعب اجتماعها في وقت قصير جدا. وهناك باب آخر تقوده الشركات العظمى التي تتعامل مع البيانات الشخصية وتشهد معارك كبرى مع الجهات التنظيمية حول الخصوصية والمسائل الأخلاقية مثل جوجل وفيسبوك التي تحول البيانات بشكل غير مباشر إلى نماذج تقيس وتمتلك مؤشرات الأفراد "مثل ارتباط الأفراد، عدد الأفراد، معدلات السلوكيات" وهذه المعرفة تشكل توجها اقتصاديا جديدا في المجال التقني يهم المستثمرين ويقلق المنظمين وتراهن عليه هذه الشركات الكبرى، يطلق بعض الباحثين على هذه العملية مصطلح Techcraft وهو مصطلح يتحدث عن العملية الاقتصادية التي تقوم على تحويل البيانات الشخصية إلى أصول Assetization. وهذا المبحث لا يمكن تجاهله لعظم قدره ومدى انتشار تطبيقاته ومعدلات نموه في الأسواق المالية الكبرى، خصوصا السوق الأمريكية.
لا تختص الشركات التقنية فقط بتنمية الأصول التقنية، فالتقنية في كل مكان، شركة أرامكو على سبيل المثال قامت برسملة ما يصل إلى 226 مليون ريال عام 2020 بإضافتها إلى محفظة من الأصول البرمجية صافي قيمتها مليار و800 مليون ريال. وتصل قيمة بند البرمجيات في البنك الأهلي السعودي إلى مليار ريال سعودي، بينما تبلغ في شركة الاتصالات السعودية ما يتجاوز الـ 2.8 مليار ريال، وهي ظاهرة في شركات غير تقنية أخرى بشكل معتبر مثل معادن والمراعي وغيرهما. لكن لم تظهر الشركات التقنية المدرجة بأصول تقنية معتبرة تميزها عن غيرها في هذا الجانب. محليا، فرصة تنمية وتنويع هذه الأصول مرتفعة، وفرصة إعادة هندسة عمليات الشركات ونماذجها التشغيلية بمزيد من الاستثمارات التقنية في جوانب البحث والتطوير مرتفعة أيضا، فالاستثمار التشغيلي في عمليات البحث والتطوير التقني لا يظهر له أثر واضح في قوائم الدخل. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تقود الشركات المدرجة خصوصا مع الإدراجات الجديدة نموا معتبرا في الاستثمار التقني في المملكة أم ستستمر في محاولة اللحاق بحراك آخر خارج السوق المالية وتستمر في كونها مجرد مكمل للمعادلة وليس محركها الأهم؟.
إنشرها