حذار من اليأس

قد تجتاح الإنسان في فترة من فترات حياته أوقات عصيبة لأي سبب كان كفشل في اختبار، أو خسارة مالية، أو صدمة عاطفية، أو غير ذلك مما لا يكاد يخلو منه بشر، حينها سيرى أنه وصل إلى طريق مسدود.
وفي هذه اللحظة بالذات يتفاوت الناس تفاوتا كبيرا فمنهم من يسقط ضحية القنوط واليأس وتسيطر عليه مشاعر الانهزامية مصطحبة معها الآلام النفسية والأمراض الجسدية. ومنهم من يقف كالطود الشامخ مستعينا بالله ثم بروح الأمل والتفاؤل متمثلا قول الشاعر،
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج

نعم إن لرياح اليأس قوة لكن لا ننسى أن لجبال الأمل صلابة إذ لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة. إن من يتأمل وقائع تاريخ الأفراد والأمم لا يمكن أن يدب اليأس إلى قلبه إطلاقا.
النملة وهي من أصغر الكائنات الحية لا تعرف لليأس طريقا، إذ تسقط منها الحبة المرة تلو الأخرى فتستمر في محاولاتها إلى أن تنجح. إن اليأس في ظاهره محنة، ولكن لو تأمل الإنسان لوجد أن في داخله منحة فهو يعجل باللجوء إلى الله ويريح من التعلق بمن خذله من الناس، ففي حديث الرجل الذي طلب من النبي أن يوصيه ويوجز فقال عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث، "..وأجمع اليأس مما في أيدي الناس..".
كما أن اليأس يمثل موقف تحدي مع النفس ويعودها على مجابهة المشاق والصعوبات والتخلص منها.

ومن تكن العلياء همة نفسه
فكل الذي يلقاه فيها محبب

إن اليأس لا يقدم حلولا ولا يصنع شيئا سوى مزيد من المصاعب والحسرات، وقد يتبادر إلى الذهن حين الحديث عن اليأس أنه يرتبط بالأفراد فقط على حين أن الواقع خلاف ذلك، إذ هو يشمل الأمم أيضا، فالحق سبحانه يقرر (وتلك الأيام نداولها بين الناس..)، فالحياة لا تقف والأمة التي يدب اليأس في أفرادها لن تكون قادرة على الإبداع والريادة.
إن أسوأ أنواع اليأس هو ما ينبعث من الذات وكان المفترض أن يطلق صوتا من داخله يقول، إن إخفاقي هو مجرد حدث عابر لا مجال لليأس معه. إن القوة والفخر ليس في عدم السقوط، بل في القدرة على النهوض بعد السقوط!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي