Author

استهداف النفط بالضرائب

|
زاد أخيرا مسؤولون ووسائل إعلام غربية وتيرة إلقاء اللوم على منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" متهمينها بالوقوف حصريا خلف زيادة تكاليف الوقود. وتتأثر معيشة المستهلكين بزيادة الأسعار بصورة مباشرة وغير مباشرة، ما يثير حنق كثير منهم. ويحاول بعض المسؤولين تركيز اللوم على "أوبك" وصرف أنظار مواطنيهم عن العوامل الداخلية التي ترفع أسعار الوقود. ولو تمعن الناس في تركيبة أسعار المشتقات النفطية لوجدوا أن نسبة كبيرة من السعر، بل معظمها لا دخل لمنتجي النفط فيه. ويأتي معظم تكلفة الوقود في كثير من البلدان نتيجة الضرائب الحكومية، ومن الخدمات المضافة للمنتجات، وأرباح الشركات، وترتيبات الأسعار الداخلية.
يوجد تفاوت كبير بين دول العالم في أسعار المشتقات النفطية، وخصوصا البنزين والديزل، ما يؤكد أن الجزء الأكبر من تكاليفهما يضاف داخل البلدان. وتنخفض أسعار البنزين والوقود بشكل عام بعدد محدود من البلدان دون الأسعار العالمية الحرة كفنزويلا (2.5 سنت للتر) والكويت (35 سنتا) ونيجيريا (40 سنتا) وماليزيا (49)، لكن معظم هذه الدول يعمل على إصلاح هيكل الأسعار ليعكس التكلفة الحقيقية. وهناك دول تقارب مستويات أسعار البنزين فيها الأسعار الحرة العالمية، كالمملكة التي تقدم الدعم لأنواع وقود أخرى كالديزل. لكن أغلبية دول العالم تفرض رسوما وضرائب على المنتجات النفطية، وخصوصا البنزين والديزل ووقود الطائرات. ويبالغ عديد منها كالدول الأوروبية في مقدار ضرائب الوقود؛ ما يدفع بأسعارها إلى مستويات مرهقة للمستهلكين.
وصلت أسعار البنزين أخيرا في الولايات المتحدة إلى نحو دولار للتر الواحد. وارتفعت في دول أخرى إلى أكثر من ذلك، حيث وصلت في الصين والهند الشهر الماضي إلى 1.26 دولار للتر، 1.41 دولار للتر الواحد على التوالي. وارتفعت أسعار البنزين إلى مستويات قريبة أو أكثر من دولارين للتر الواحد في معظم الدول الأوروبية وعدد آخر من الدول. ووصلت أسعار البنزين في تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم إلى 2.26 دولار، 2.62 دولار للتر الواحد في هولندا وهونج كونج على التوالي. وتتفاوت أسعار الديزل بين دول العالم بالمستويات نفسها تقريبا.
يثبت تفاوت الأسعار الكبير بين دول العالم قوة العوامل الداخلية للبلدان في تركيبة الأسعار. ويدخل في تركيبة أسعار المشتقات النفطية أسعار النفط الخام، وتضاف إليها تكاليف وأرباح التكرير، ثم تضاف تكاليف النقل والتوزيع وأرباح التجزئة، وكذلك ضرائب الحكومات المحلية والمركزية. تقارب هوامش التكرير عشرة دولارات للبرميل بالنسبة للبنزين والديزل وقد تنخفض أو تزيد بعض الشيء، أما أرباح التجزئة والنقل فتقارب أيضا عشرة دولارات للبرميل. وبلغت أسعار النفط نحو 80 دولارا للبرميل في تشرين الثاني (نوفمبر)، وإذا أضيفت إليها هوامش المصافي وتكاليف التجزئة والنقل والتوزيع، فإن تكلفة برميل البنزين أو الديزل للمستهلك ستصل إلى نحو 100 دولار للبرميل أو نحو 0.63 دولار للتر. وهذا معناه أن زيادات أسعار البنزين فوق هذا المستوى ناتجة معظمها عن الضرائب الداخلية للدول.
يستهدف كثير من الدول المتقدمة والنامية أسعار المشتقات النفطية بالضرائب والرسوم. وتشير مصادر الاتحاد الأوروبي إلى أن دوله تفرض في المتوسط ضرائب تبلغ 2.35 دولار للجالون الواحد، أو نحو 99 دولارا لبرميل البنزين أو الديزل. وتصل الضرائب في هولندا وإيطاليا إلى 3.39، 3.09 دولار للجالون على التوالي، أي أن حكومات هذين البلدين تجنيان على البرميل 142، 130 دولارا على التوالي، وهذا أعلى بكثير مما تجنيه الدول المصدرة المنفقة لأموال طائلة في اكتشافه وتطويره وإنتاجه. أما في الولايات المتحدة، فهناك ضرائب فيدرالية على البنزين والديزل ووقود الطائرات وتزيد ضرائب الديزل قليلا على ضرائب البنزين. وتفرض الولايات الأمريكية ضرائب متفاوتة تصل أعلى مستوياتها في كاليفورنيا (56 سنتا لجالون البنزين، و65 سنتا لجالون الديزل) وأقلها في ألاسكا (8 سنتات للجالون). ويتسبب تفاوت الضرائب بين الولايات في معظم التفاوت في أسعار الوقود داخل الولايات الأمريكية. عموما، يضاف في المتوسط ما يزيد قليلا على نصف دولار ضرائب لجالون البنزين والديزل في الولايات المتحدة.
التحليل الفعلي لتكاليف أسعار المشتقات النفطية يشير إلى أن منتجي النفط يجنون نسبا تقل عن نصف أسعار المستهلكين في معظم دول العالم، بل إنها تقل عن ربع تكاليفه في دول معينة؛ كهولندا وبريطانيا وإسرائيل. ويعود جزء كبير من زيادة الأسعار؛ بل معظمها في عدد من البلدان، إلى الضرائب العالية التي تفرضها الدول على البنزين والديزل وباقي المشتقات النفطية. عموما، لا يخفى أن هناك استهدافا واضحا للمشتقات النفطية بين مصادر الطاقة، حيث تتدنى الضرائب على باقي مصادر الطاقة؛ كالفحم الحجري والغاز الطبيعي والطاقة النووية، كما تتلقى مصادر الطاقة المتجددة دعما في الدول الصناعية.
ويجري تبرير الضرائب النفطية بشتى الحجج التي من بينها مكافحة التلوث، وكأن النفط هو الأكثر تلويثا للبيئة، بينما يتفوق عليه الفحم الحجري في تلويث البيئة، وتتجاوزه بمراحل مخاطر الطاقة النووية لكنهما لا يخضعان لضرائب مماثلة. وتظهر الضرائب المرتفعة على المشتقات النفطية التي تفرضها الدول تمييزا واضحا تجاه النفط مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى، وهذا يمكن أن يتعارض مع اتفاقيات التجارة الحرة. إضافة إلى ذلك، ترفع الضرائب المرتفعة على المشتقات النفطية أسعارها؛ ما يقلل حجم الطلب النفطي، ويخفض أسعار النفط العالمية الحرة بنسب لا يستهان بها ملحقة أضرارا بالغة بمنتجيه.
إنشرها