شح الطاقة .. وذر الرماد في العيون
شهدت أسواق النفط العالمية كثيرا من المتغيرات، وواجهت كثيرا من التحديات خلال العامين السابقين بسبب جائحة كورونا، حيث انخفض الطلب على النفط ومشتقاته بصورة قياسية بسبب الحظر الكلي أو الجزئي الذي سنته جل الدول. إغلاق كثير من الأنشطة الاقتصادية، وتقييد السفر الذي أدى بدوره إلى انخفاض الطلب على وقود الطائرات وغيرهما من العوامل هوت بأسعار النفط إلى مستويات تاريخية، وسجلت أسعارا لم يسبق لها مثيل، فمن كان يتوقع أن يهوي سعر الخام الأمريكي إلى ما دون الصفر! ضبطت "أوبك" وحلفاؤها بقيادة السعودية إيقاع أسواق النفط، وقامت بعمل استثنائي لإعادة توازنها بتقنين الإنتاج ليتسق مع شح الطلب؛ ما أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات مناسبة - في رأيي - للمنتجين والمستهلكين. مع الانحسار التدريجي لجائحة كورونا وعودة الأنشطة الاقتصادية ورفع الحظر وانتعاش السفر النسبي، زاد الطلب على النفط ومشتقاته بطبيعة الحال، واستمر تعاطي "أوبك" المتوازن مع هذا التطور بقيادة السعودية وحلفائها.
في المقابل، هناك أصوات متناقضة بدأت تعلو مطالبة منتجي الوقود الأحفوري، وعلى رأسه النفط، تارة بخفض الإنتاج عندما انهارت الأسعار تحت ذريعة حماية البيئة من التلوث، ومن المنبر ذاته تنادي بزيادة الإنتاج عندما ارتفعت الأسعار أو عادت إلى مستوياتها الطبيعية بمعنى أصح. الجدير بالتنويه أنهم يضربون بقضية تغير المناخ والبيئة عرض الحائط عندما يلامس الموضوع مصالحهم الشخصية ومصالح شعوبهم، وهذا ليس جديدا ولا مستغربا - في رأيي - والشواهد التاريخية كثيرة في هذا الصدد.
بعد أزمة الطاقة في أوروبا وشح الغاز الذي ازداد بسبب دخول فصل الشتاء ووجهت أصابع الاتهام فيه إلى روسيا، سئل الرئيس الروسي بوتين عن ذلك، وقال: روسيا ملتزمة بما تم الاتفاق عليه، وأضاف أنه حتى في حقبة الحرب الباردة لم تقطع روسيا الغاز عن أي دولة، ومحاولة تصوير ما يحدث على أن روسيا تستخدم موارد الطاقة كسلاح إنما هو ثرثرة وهراء لا يستند إلى أي أساس! وعلى أرض الواقع، زادت روسيا إمدادات الغاز إلى أوروبا نحو 15 في المائة ونصف تقليصات الإمدادات من موردين أمريكيين. تلا ذلك ارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة، الذي أراد الرئيس بايدن ذر الرماد في أعين شعبه، وأن السبب خلف ذلك هو "أوبك" والمعروض النفطي، بمعنى أنه يطالب "أوبك" برفع إنتاجها لخفض الأسعار، وأن الموضوع يعتمد على المملكة! أتفق مع فخامة الرئيس بايدن، أن العالم يعتمد على حكمة السعودية ومسؤوليتها والتزامها - بعد توفيق الله - في توازن أسواق النفط وحماية المنتجين والمستهلكين على حد سواء، ولا يسع هذا المقال أو عشرات المقالات لسرد مواقف السعودية القيادية والريادية في هذا الصدد. لكن "أوبك" بقيادة السعودية ليست مسؤولة عن التشريعات والأنظمة الداخلية في دول العالم، وفي طريقة إدارتها ملف الطاقة وموثوقية إمداداتها، وطاقة مصافيها الاستيعابية.
طلب أمريكا يزداد على النفط، حيث بلغ نحو 22 مليون برميل يوميا؛ منه نحو 9.5 مليون برميل يوميا وقودا للسيارات، فهل شيطنة الوقود الأحفوري هي الحل؟ كتبت إحدى الناشطات الأمريكيات في "تويتر"، "هل تعيرنا الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي لعمل دورات تدريبية مكثفة عن الطاقة"، فرددت عليها "السعودية ليست مجرد مصدرة للنفط؛ بل تصدر الحكمة كذلك".