Author

تنظيم الكهرباء والماء والمستهلك

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

أنشأت الدولة قبل 20 عاما تقريبا هيئة مسؤولة عن تنظيم قطاعي الكهرباء والماء. والمقصود بالتنظيم المعبر عنه بالإنجليزية regulation. وموضوعاته الفرعية كثيرة. يدخل فيها وضع ضوابط واشتراطات وتعليمات ورقابة على تلك القطاعات. وعملت فيها عالميا دراسات عالية المستوى، ذات جوانب متعددة من اقتصادية وغير اقتصادية.
لماذا الحاجة إلى تنظيم؟ في الإجابة عن هذا السؤال، هناك أكثر من سبب واعتبار. والتركيز في المقال على الجانب الاقتصادي فيما يخص المستهلكين. على رأس الأسباب باختصار شديد كون كل واحد منهما "أي الكهرباء أو الماء" تنتجه وتبيعه شركة واحدة بصورة حصرية. وانفراد البائع يسمى بالمعنى الدارج الاحتكار. والحصر ببائع يتطلب لزوما وجود جهاز حكومي منظِم "بكسر الظاء"، بما يحقق في النهاية توافر خدمة كافية وجيدة وذات موثوقية وبأسعار مناسبة.
التنافس أي فتح الباب لتعدد الشركات ضرره أكثر من نفعه. وأكرر أن التركيز هنا على جانب المستهلكين. لماذا ضرر التعدد أكثر من نفعه للمستهلكين؟ هناك أنشطة أو قطاعات يرغب اقتصاديا في كون سوقها انفراديا. ويطلق على هذا النوع من الانفراد "الاحتكار" في كتب الاقتصاد "الانفراد الطبيعي" natural monopoly. هذه القطاعات؛ كالكهرباء والماء، تتميز بميزات أهمها انخفاض تكلفة إنتاج الوحدة الواحدة عند إسناد الإنتاج إلى منشأة واحدة بدلا من عدة منشآت. لكن هذا الانفراد يجر إلى تدخل الدولة عبر هيئة مختصة بسن تنظيمات تسعيرية. دون ذلك، فإن الاحتمال كبير باستغلال الناس لتحقيق أرباح صافية بالغة الارتفاع.
وعموما، فإن شؤون المستهلكين تأخذ حيزا كبيرا من اهتمام الهيئة المعنية. ويدخل في شؤونهم تقويم التعريفات والأسعار التي تدفع لقاء الخدمات التي تـنظمها الهيئة، ومراجعة هذه التعريفات والأسعار دوريا، وإذا ظهرت الحاجة إلى تعديل التعريفات أو الأسعار، تقوم الهيئة بتعديل ما يدخل منها في اختصاصها تعديله، وترفع الاقتراح بالتعديل لما يخرج عن صلاحيتها إلى الجهات المختصة في الدولة.
كما أن من أعمال وواجبات الهيئة رعاية مصالح ذوي العلاقة في الخدمات التي تنظمها الهيئة. والتحقيق في الشكاوى، وبذل الجهود لحلها. كذلك تحسين أداء الخدمات الخاضعة للتنظيم عموما.
طبعا هناك تكاليف لأي تنظيم بصور مختلفة مباشرة وغير مباشرة. وهناك دراسات كثيرة حول هذا الموضوع. المطلوب تنظيم بأعلى كفاءة ممكنة وضعا وتنفيذا. وهو ما تستهدفه هيئة تنظيم الكهرباء والماء.
يقف على رأس اهتمامات المستهلكين موضوع السعر. طبعا تعمل شركة الكهرباء "أو الماء" على تحقيق ربح. وحيث لا وجود لمنافسين، فإن الاحتمال وارد بقوة بأن تسعر أي شركة انفرادية "احتكارية" خدماتها بما يحقق لها أقصى ربح يمكنها تحقيقه، في حال عدم تدخل طرف خارجي. ومن ثم فالهيئة تتدخل في التسعير للمستهلكين بما يحقق للشركة ربحا معتدلا، أو ما يسميه كثير من الناس تحقيق ربح معقول.
شؤون المستهلكين من أهم مهام الهيئة. ومن شؤونهم تقويم التعريفات والأسعار التي تدفع لقاء الخدمات التي تـنظمها الهيئة، ومراجعة هذه التعريفات والأسعار دوريا. وتفرض تعديل ما يدخل في اختصاصها من بنود. وأما ما لا يدخل، فترفع مقترحات بالتعديل إلى الجهات المختصة. ومن المهام أيضا التحقيق في الشكاوى، وبذل الجهود لحلها. وعموما، بذل كل جهد ممكن لتحسين أداء الخدمات الخاضعة للتنظيم.
وقرأت حديثا عن مناقشة في مجلس الشورى لأسعار فواتير الكهرباء. وهذا يجر فيما يجر إلى الحديث عن وضع ذوي الدخول المنخفضة، أو ما يسمون في تراثنا التاريخي بالفقراء والمساكين. هل من حق الهيئة أن تفرض على شركة الكهرباء البيع على هؤلاء بسعر أقل من التكلفة؟
الجواب لا. لأن الشركة ليست جهة تطوعية خيرية، بل تقدم خدماتها بما يحقق الربح لها. ولا يخل ذلك بحق الهيئة بمراجعة الأسعار دون إخلال بمبدأ تحقيق ربح مقبول.
هل من رأي آخر؟
هناك خياران للحل:
الأول، أن تبيع الشركة على تلك الفئة بسعر أقل من التكلفة، بشرط أن يلتزم طرف ثالث بدفع الفرق للشركة.
الثاني، البيع لتلك الفئة كالبيع لغيرهم. وتتبرع جهات لتلك الفئة بإعانات نقدية مباشرة وفق اعتبارات وتفاصيل.
الخيار الثاني أولى بالتطبيق. ذلك أنه محتمل بقوة إساءة استخدام الخيار الأول من طرف المستهلك. وهذا ملاحظ في دول كثيرة تستخدم نحو ذلك، مثل ما يسمى في أمريكا طوابع الطعام food stamps. حيث يساء استخدامها كثيرا، بما يخرج عن الهدف منها.
وأختم بمبادرات أتوقع أن الهيئة تعمل عليها بما يسهم في تحسين خدمات الشركات للمستهلكين.
تمكين المستهلكين بمراقبة استهلاكهم عبر ما يسمى العدادات الذكية. ويدخل في ذلك تمكينهم من الحصول على تقارير دورية حسب الرغبة.
من المهم التوسع في مبادرات وإرشادات مراقبة الاستهلاك وترشيده. وفي هذا لعله يتوافر برنامج يتيح - على سبيل المثال - للمتعاملين في القطاع السكني مقارنة متوسط استهلاكهم الشهري للكهرباء والمياه بمتوسط استهلاك المنازل المماثلة. وتشمل المبادرات أيضا خاصية "خارج المنزل" لمساعدة المتعاملين من القطاع السكني على مراقبة استهلاك الكهرباء والمياه وهم خارج المنزل أو في أثناء السفر.

إنشرها