Author

مستقبل المعادن وإنتاج الطاقة

|

تلعب السياسات أدوارا بالغة الأهمية في تحديد أنماط وتطورات استهلاك وإنتاج وتقنيات الطاقة. وارتفعت أخيرا الأصوات المطالبة باتخاذ إجراءات قوية للحد من انبعاثات الغازات. ويسود اعتقاد بوقوف ازدياد تركزاتها في الغلاف الجوي خلف التغيرات الطقسية التي تشهدها الكرة الأرضية. ويتوقع استمرار تزايد تركزاتها وتأثيراتها السلبية. ويتطلب خفض الانبعاثات فرض سياسات صارمة لتخفيض مستوياتها. في المقابل، سترفع تلك السياسات الطلب على عدد من المعادن الضرورية الداخلة في إنتاج مصادر الطاقة البديلة، خصوصا ما يسمى أحيانا الطاقة المتجددة. لهذا يتوقع المختصون ومراكز الأبحاث أن المستقبل يحمل في طياته تحولات كبيرة في أسواق التعدين، حيث سيرتفع بقوة على المعادن الداخلة في إنتاج الكهرباء والألواح الشمسية والبطاريات التي أهمها النحاس والنيكل والكوبالت والليثيوم.
وتصل تقديرات بعض المصادر، ومن بينها أحد إصدارات صندوق النقد الدولي إلى أن حجم الطلب على هذه المعادن خلال الأعوام الـ 20 المقبلة سينمو بقوة ويولد إيرادات هائلة لمنتجيها قد تضاهي قيمة النفط خلال الفترة، وذلك في حالة تبني سياسات تحد من درجة ارتفاع الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. وستشكل قيمتا النحاس والنيكل معظم قيمة المعادن الأربعة خلال العقدين المقبلين، أما استهلاك الكوبالت والليثوم فسينمو بحدة أكثر خلال الفترة. وستنتج عن تزايد الطلب المتسارع على هذه المعادن ارتفاعات قوية في أسعارها ونموا قويا في صادرات وإيراد منتجيها الرئيسين. ويأتي على رأس المتوقع استفادتهم من طفرة الطلب وأسعار معادن المستقبل تشيلي وأستراليا والكونغو وروسيا وإندونيسيا وجنوب إفريقيا، وربما أفغانستان. وإذا صدقت التوقعات ستتسارع معدلات الاستثمار والتنمية الاقتصادية في الدول المصدرة لهذه المعادن وستتحسن موازينها الخارجية والمالية وترتفع معدلات نموها، بينما ستزداد تكاليف الواردات للدول المستوردة.
في الوقت نفسه ستزداد أهمية الدول المنتجة لهذه المعادن وسيرتفع تنافس الدول الاقتصادية الكبرى على مواردها؛ ما قد يولد توترات ويبرز معضلات سياسية في مناطقها. وقد تكون بعض المناطق؛ كالقارة الإفريقية، ساحة جديدة للصراعات والتنافس الدولي.
إن ارتفاع الطلب على المعادن المستقبلية سيدفع بأسعارها إلى مستويات قياسية، وقد تحدث فجوات بين العرض والطلب محدثة عجزا مستقبليا في بعضها. فعند حدوث قفزة طلب قوية وسريعة سيتخلف تأمين العرض المناسب له لعدة أعوام بسبب الوقت الطويل الذي يستغرقه تطوير المناجم والبحث عن المعادن الذي قد يتجاوز عشرة أعوام. وهذا سيؤثر في الخطط المستقبلية لإحلال الطاقة المتجددة ويرفع تكاليفها؛ ما سيكون أحد المعوقات في وجه السيطرة على الانبعاثات. في الوقت نفسه سيجلب ارتفاع أسعار هذه المعادن فرصا جيدة في تعدينها؛ ما سيحفز الاستثمار فيها ويرفع من الاكتشافات والتطوير لمصادرها، لكنه في الوقت نفسه سيزيد من عواقب الأضرار البيئة الناتجة عنها، ما لم تتخذ الإجراءات والمحاذير اللازمة التي سترفع تكاليف إنتاجها. أما فيما يخص منطقتنا فسترتفع أهمية البحث والتنقيب مبكرا عن هذه المعادن فيها، التي قد تحوي احتياطيات مربحة اقتصاديا يمكن تطويرها واستغلالها. كما لا يمكن التغاضي عن حيوية توجيه جزء من استثمارات المنطقة الخارجية إلى الدول والمناطق الغنية بهذه المعادن لتأمين وضمان إمدادات كافية للصناعات المستقبلية التي تعتمد عليها.
عموما، فإن من شبه المؤكد تسارع نمو الطلب على هذه المعادن مستقبلا، ولكن المرجح كون معدلات نموه أقل من توقعات الراغبين في خفض ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. وتشير التجارب التاريخية خلال العقود الماضية، إلى أن تطوير مصادر الطاقة البديلة أضاف إلى حجم استهلاك الطاقة المستهلكة، لكنه لم يخفضه على المستوى العالمي. وستواجه مطالب الخفض الحاد لاستهلاك الطاقة مصاعب وتحديات ومعارضة قوية من أطراف كثيرة، نظرا للتكاليف التي ستتحملها بعض القطاعات الاقتصادية ودول ومجتمعات عديدة في حالة التطبيق الصارم لها.

إنشرها